مما لا يخفى أن للقواعد الفقهية مكانة عظيمة في الفقه الإسلامي، ودور جليل في عمل المجتهد والفقيه من أجل التعامل مع القضايا المستجدة، ومعالجتها في ضوء التكييف المبني على منهج شرعي يجمع بين المصلحة المعتبرة والالتزام بالأحكام الشرعية.
ومن جملة تلك القواعد التي برز دورها في معالجة النوازل على اختلاف أبوابها الفقهية قاعدة «ينزل المجهول منزلة المعدوم»، إذ تنطبق على جملة منها، ويأتي هذا البحث ليسلط الضوء على دراسة القاعدة من الناحية التأصيلية، وكذلك التطبيقيات الفقهية لها، مع جملة من القضايا المعاصرة التي للقاعدة فيها أثر، وخلصت إلى أن للقاعدة معنيان مرتبطان، معنى مرتبط بالعلم والقدرة على التكليف، فما عجز المكلف عن معرفته أو شق عليه سقط عنه ، وينزّل منزلة المعدوم مع أن الأصل بقاءه، ومعنى مرتبط بعدم العلم بالشيء-من غير تقصير-، فعدم العلم بالشيء وجنسه ونوعه الذي يؤدي إلى الجهالة الفاحشة ينزل منزلة المعدوم ولا يعتد به.
كذلك توصلت إلى أن القاعدة تنطبق على مسائل معاصرة -حسب معيار وتقدير الجهالة-، وخصوصاً المعاملات المالية والنوازل الطبية، لارتباطهما بمفهوم الغرر والجهالة، ولها أثر تبعي مؤكد للنص الشرعي، وخصوصاً نوازل المعاملات، ويظهر أثرها بصورة أوسع في النوازل الطبية التي لم تكمل دروتها في التجارب، ولم يثبت نسبة نجاحها، فهي في حكم المجهول، تعطى حكم المعدوم شرعاً وطباً.