لقد كانت المناظرات في البيئة الإسلامية سببًا قويا من أسباب تقدم العلوم وتطورها؛ لما تتميز به من منهج تفاعلى حوارى، يدفع صاحبه للبحث الجاد، وإعمال الفكر، والنظر فيما يقدمه الآخر، ومن هنا كانت المناظرات حلقة وصل بين العلماء في مختلف العلوم، ومن بينها علم الكلام الإسلامي الذي نال منها النصيب الأوفر؛ نظرا لطبيعة منهجه الذى يقوم على التواصل والتفاعل بين أطراف متعددة.
وحيث إن المنهج التداولى آلية لتحليل النصوص، وآداة جادة وفعالة في الكشف عن أهدافها الرئيسة؛ فقد رأيت إبراز القيمة التداولية للمناظرة العقدية من خلال التطبيق العمليّ على المناظرة المختصرة التي أُجريت في القرن الرابع الهجريّ بين القاضي عبد الجبار الهمذانيّ(ت415ه) والأستاذ أبي إسحاق الإسفرايينيّ(ت 418ه) وقد مثل كل منهما رئيسا لفرقته الكلامية، ودارت المناظرة حول أفعال العباد، وما يتعلق بها من عموم إرادته –جل شأنه- وعلى الرغم من اختصارها، فإنها تحمل معانٍ ضمنية كثيرة، كشف عنها السياق العام للمناظرة، مما جعلها مجالاً ثريًا للتحليل التداولى، ويهدف البحث إلى كشف اللثام عن أبرز آليات التداولية في المناظرة الكلامية مبينا علاقتها بمصطلحات الدرس التداولى الحديث .