شهد المجتمع العباسي في القرنين الثالث والرابع الهجريين / التاسع والعاشر الميلاديين تفشي ظاهرة الاحتيال واتساع طائفة المحتالين نتيجة لظروف سياسية واقتصادية واجتماعية أسفرت عن صراع طبقي معلن أحيانًا وغير معلن في كثير من الأحيان، كان الاحتيال أبرز صوره، فقد وجد المحتالون في أعمال الاحتيال وسيلة لكسب الزرق ممن ضيقوا سبله عليهم، ووسيلة لانتزاع حقوقهم ممن منعوها عنهم، وسبيلاً للتكيف مع أوضاعهم، والدفاع عن أنفسهم والانتقام من سطوة أصحاب الأموال ممن أهانوهم وانتقصوا من شأنهم.
استهدف هذا البحث تعريف الاحتيال والمحتالين، والأسباب التي ساعدت على تفشي فكر الاحتيال، والتوجهات الجديدة لأصحاب رؤوس الأموال، وعجز الدولة عن تحقيق التوازن بين الطبقات، ثم تطرق للحديث عن أنواع المحتالين، وفنون احتيالهم، كما حرص على تقديم صورة متكاملة عنهم، وأبرز ملامح فكرهم وفلسفتهم، ومهاراتهم وكيفية تعايشهم في مجتمع تسوده قوة المال وسطوة أصحابه، وسبل مقاومتهم والدفاع عن مصالحهم، كما اهتم البحث بالعمق الاجتماعي لهذه الطائفة من خلال الحديث عن انتماءاتهم الطبقية، وجماعات الدعم والمساعدة لهم، ودور الأسرة في ذلك، وأخيرًا موقفهم من المجتمع وموقف المجتمع منهم.