حاول البحث المقارنة بين الفكر الإسلامي والفكر الإلحادي حول مسألة مصدرية الأخلاق، حيث اعتنى البحث ببيان مصدر الأخلاق الدينية وأساسها، مقارنة بالفكر المادي عامة والتيار الإلحادي الجديد خاصة.
فالأخلاق في الإسلام تنبع من مصدر أساسي: هو الوحي الإلهي المعصوم، ولها سمات تميزها عن غيرها من المذاهب الأخلاقية، ففضلا عن فوقية المصدر فهي تتسم كذلك بالعموم والشمول، والأصالة والثبات، والكمال، والإلزام السماوي.
وقد نظر الإسلام بعين الاعتبار إلى المصادر الإنسانية - كمصادر ثانوية للإلزام الخلقي-، كسلطة الجماعة، والضمير الخلقي، والعقل، والدوافع النفعية، التي تكتمل وتفتقر كلها إلى المصدر الإلهي، مكونة معًا نسيجًا واحدًا يعد هو مصدر الإلزام الخلقي في الإسلام.
أما المذاهب الأخلاقية المادية فتقطع صلة الأخلاق بمصدرها الديني، وتستند في التمييز بين الخير والشر إلى مصدر إنساني، إما إلى المجتمع أو اللذة والمنفعة أو العقل أو الضمير، والمصدر الإنساني وحده – بدون وازع ديني- لا يكفي في حمل الإنسان على التحلي بالفضائل، لأنه لابد من مصدر مُتعالٍ يُهَيمِن على كل هذه المصادر الإنسانية، وعزل القيم الأخلاقية عن المصدر المتعالي يؤدِّي إلى زوال حقيقتها، فتصبح خاضعةً إما للمجتمع المتغير، أو للمنفعة النسبية المتغيرة، أو للعقل القاصر المتفاوت، أو للضمير المتقلب المتغير.
أما التيار الإلحادي الجديد فقد اضطربت آراءه وتباينت في بيان مصدرية الأخلاق وتفسيرها: ففريق منهم: ينكر وجود قيم أخلاقية، ويعتقد بعدم وجود معايير لها، والأخلاق عندهم مجرد وهم، والفريق الآخر: يحاول تقديم تبريرات واهية وهزيلة لما يشعرون به من فطرية الأخلاق، وقد أرجعوا مصدرية الأخلاق إلى العلم التجريبي العلم التجريبي القادر على إخبارنا بما يحقق العافية والرفاهة للإنسان، أو المجتمع الإنساني، أو الانتخاب الطبيعي، وهذه التبريرات عاجزة عن تأسيس وبناء القيم الأخلاقية، تأسيسا موضوعيًا حقيقيا يحصل به التمييز بين الخير والشر ووضع المعايير الضابطة للأخلاق كمنظومة شاملة وكاملة ومطلقة.
وقد خلصت الدراسة إلى أن النهج المادي في مصدر الأخلاق يؤدي إلى القول بنسبية القيمة الأخلاقية، وفي ظل رؤية الملاحدة المادية للكون،
لا يمكن بناء وتأسيس القيم الأخلاقية مع إنكار وجود الله عز وجل، فلماذا يكون الإنسان صالحًا؟ وعلى أي شيء يقاس صلاحه؟ ومن أين يأتي معنى الصلاح والعالم عندهم مجرد ذرات تحكمها قوانين صارمة؟!