تُعتبر النوستالجيا من أبرز مظاهر المعاناة التي يعكسها الأدب، حيث يعبّر الأدباء من خلالها عن اشتياقهم وارتباطهم بكل ما هو ماضٍ، بل تجاوزوا ذلك إلى تصوير أدق تفاصيل الذكريات التي حفرت في أذهانهم، ليعبروا عن حنينهم العميق إلى تلك اللحظات، مستخدمين الأدب كوسيلة للتعبير عن مشاعرهم الجياشة وآلامهم، وهم يروون قصصًا عن الأماكن التي ارتبطوا بها منذ الصغر، وعن أوطانهم التي فرقتهم عنها مسافات الزمن. ورواية (بستي) واحدة من أشهر أعمال الكاتب الباكستاني "انتظار حسين"، والرواية تُعد واحدة من أبرز الأعمال الأدبية التي تناولت مأساة تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947م، وما تبعها من أحداث حتى حرب عام 1971م وانفصال باكستان الشرقية عن شقيقتها الغربية، وهي أحداث أعادت تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية للملايين من سكان المنطقة، وذلك من خلال أسلوب سردي يمزج بين الواقعية والرمزية، رصد من خلالها "انتظار حسين" معاناة الأفراد الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين ماضٍ مفقود وحاضرٍ مليء بالتحديات. تطرح الرواية تساؤلات جوهرية حول الهوية والانتماء، مما يجعلها نصًا غنيًا بالمعاني والدلالات، حيث تُبرِز الرواية مشاعر النوستالجيا التي يعيشها الأفراد في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية. من خلال هذه الرواية، يقدم "انتظار حسين" رؤية عميقة لتجربة النوستالجيا، حيث يعكسها كأداة لفهم أزمة الهوية في مرحلة ما بعد التقسم، ويستحضر في ثناياها الحنين إلى وطنٍ فقده الناس وأدى إلى تشظي هوياتهم.