لم تكن عنصرية القوى الاستعمارية في التعامل مع المرض في المستعمرات الأفريقية سلوكًا مستحدثًا، وإنما جرى ذلك منذ عدة قرون، فقد عانى الرقيق الأسود في الولايات المتحدة الأمريكية من هذا الداء العضال، فالأمريكيون من أصل أفريقي عانوا أشد المعاناة من العنصرية في التعامل مع أمراضهم مقارنة بالأمريكيين البيض، إذ كانوا يعانون من أسوأ حالة صحية، ورعاية.
وعلى مدار تاريخ الاستعمار البريطاني في أفريقيا تعرضت المستعمرات الأفريقية لعدد من الجوائح والأوبئة والأمراض التي استدعت إصدار القوانين، واتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات بغرض مواجهة تلك الأمراض، وقد انطوت تلك الممارسات على عُنصرية واضحة في التعامل مع المرض الأفريقي. وقد أصدرت وزارة المستعمرات البريطانية عددًا من التقارير السنوية لرصد أحوال المستعمرات الأفريقية من سكان وتعليم واقتصاد وصحة، وغير ذلك، كما إنها أفردت بعض التقارير السنوية للحديث عن الوضع الصحي وحده. وعلى صفحات تلك التقارير ادعت الإدارة الاستعمارية زيفًا أنها عملت على تطوير الوضع الصحي للسكان الأصليين للمستعمرات وبذلت ما في وسعها لعلاجهم؛ غير أن بيئاتهم وسلوكياتهم الرجعية مثلا سببًا لانتشار الأمراض، وأعاقا عملية مكافحتها، وأنها رغم ذلك نجحت في تحسين الأحوال الصحية لأولئك السكان.
بناء على ما سبق؛ يناقش هذا البحث قضية مهمة ألا وهي "المرض والعنصرية في مستعمرة كينيا (1918- 1939)". ويرجع اختيار كينيا إلى اعتبار غاية في الأهمية وهو أنه من بين كل المستعمرات البريطانية في أفريقيا اختيرت كينيا وجنوب أفريقيا ليكونا مستقرًا لعددٍ كبير من المستوطنين البيض؛ من ثم يمكن رصد القضية المطروحة للبحث لا سيما وأن هناك علاقة واضحة ومكتملة الأركان بين الاستعمار الاستيطاني وعدم المساواة في الخدمات الصحية.