يعنى هذا البحث بدراسة أسس الاستقامة في السنة النبوية اعتمادا على مقولة الإمام أبي داود الشهيرة النابعة من واقع خبرته العلمية والعملية والتي يقول فيها بأن : "الفقه يدور على خمسة أحاديث: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، وَأَنَّ رَسُولَ الله قَالَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى» وَأَنَّ رَسُولَ الله  قَالَ: «إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ» وَأَنَّ رَسُولَ الله  قَالَ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»" فهذه الأحاديث تمثل أسس الاستقامة، وهي بمثابة النظرية التربوية المتكاملة فرحلة الاستقامة تبدأ بإصلاح النية والقصد ، ثم النصيحة تحمل صاحبها على التدين والإحسان وكمال الأداء في عبادته ومعاملته، ثم لابد له لمواصلة المسير من خارطة طريق تتمثل في الرفق بالنفس وحسن سياستها (وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) مع اجتناب المنهيات (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه) وحمايتها من الاقتراب من المحرمات باتباع قاعدة اتقاء المشتبهات (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، وكذلك إعطائها حقها من التمتع بما أحله الله مع اجتناب الإضرار بنفسه أو بالآخرين (لا ضرر ولا ضرار).
وقد تميزت هذه الأسس بالشمولية لكل نواحي الحياة من العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، وأيضًا هي واقعية قابلة للتطبيق في كل زمانٍ ومكان، وتتعامل مع المسلم بوصفه إنسانًا؛ ينتابه الملل والتقصير وتحتاج نفسه إلى الترويح عنها وسياستها بالرفق، وتتميز أيضًا هذه الأسس بالوضوح؛ فلا يحتاج المسلم إلى كثيرِ علمٍ ليفهمها وأكثر ما يحتاج إليه هو الإرادة والعزيمة عند التطبيق والممارسة.