المستخلص:
تعد مسألة الإرادة الإنسانية من المسائل التي شغلت عقول المفكرين على طول العصور؛ لأنها تطرح مسألة حرية الإنسان للنقاش بين من يعلن صراحة أن كل ما في الكون بقدرة الله تعالى وحده، ولا دخل لقدرة الإنسان في أي شيء، حتى فعل الإنسان نفسه، وما تولد عنه، فهو مجبور على السير في طريق لا يتعداه. وبين ما يثبتون أن الإنسان لديه حرية تامة تجعله مسئولاً مسئولية كاملة عن أفعاله التي تحدث بإرادته الحرة، يستحق عليها الثواب والعقاب، حسب معايير الخير والشر التي وصفها الشرع. وما أثار الخلاف حول هذه القضية ما جاء في القرآن الكريم من آيات يشعر ظاهرها بالجبر والاضطرار وجاء في بعضها ما يشعر بالحرية والاختيار. وبين هذين الاتجاهين نشأة مشكلة أفعال العباد، التي كانت مثار خلاف كبير بين المعتزلة والأشاعرة. فجوهر الخلاف في هذه القضية أنه إذا كان للعبد قدرة واستطاعة وإرادة مستقلة فهل هذه القدرة تعارض القدرة الإلهية، أو تحد من إطلاقها؟ فكل فريق قد حاول في موقفه أن يحافظ على كمال جانب معين، رأى أنّ الانتقاص منه يعد نقصاً من جانب الله، فالمعتزلة رأوا أن يحافظوا على كمال الحكمة والعدل الإلهيين، لأنهم رأوا أن محاسبة العبد على مالم يفعله يعد ظلماً يجب أن ينزه الله عنه، ومن هنا وجب القول بحرية الإنسان. ورأوا الأشاعرة أن يحافظوا على كمال القدرة الإلهية وعموم المشيئة، فألغوا أثر قدرة الإنسان في أفعاله، لأنهم رأوا أن وجود مؤثر آخر سوى قدرة الله يعد عجزاً في القدرة وهي مطلقة، وتحديداً للمشيئة وهي عامة، من هنا قالوا: أن الله خالق أفعال العباد، والعبد كاسب لها. ومقصد الفريقان تنزيه الله تعالى عن النقص.