شهدت مصر خلال العصر الفاطمي (358-969هـ/567-1171م) العديد من المجاعات التي ذهب ضحيتها الآلاف من المصريين، وقد اعتبر البعض أن السبب الرئيسي لهذه المجاعات يرجع إلى نقص مياه النيل، غير أن الوقائع ومنسوب الفيضان خلال هذه المجاعات ينفي ذلك، فالأسباب الحقيقية التي أجاعت مصر أيام الفاطميين أعمق من قضية الفيضان، فهناك الكثير من المجاعات وقعت في أعوام كان منسوب النيل فيها عالياً، بينما هنالك أعوام شهدت استقراراً اقتصادياً رغم انخفاض منسوب فيضان النيل، وذلك يعني أن العلاقة بين فيضان النيل والمجاعات ليست طردية، بل إن الأسباب الحقيقية كانت تكمن في طبيعة الدولة الفاطمية ونظمهما، بالإضافة إلى ضعف خلفائها وفساد وزرائهم، فمصر هي هبة النيل ولا يمكن أن تعرف زراعةً أو استقراراً بدونه، غير أنه وجب على كل من حكم مصر أن يُحسن التعامل مع هذه الهبة لكي يُجنِبَ شعبه الغلاء والجوع، فالنيل قديم بقِدم مصر وهذه طبيعته منذ أن خلقه الله تعالى، يفيض في أعوام وينخفض في أُخرى، لذلك كان لابد من البحث في النظام السياسي للدولة الفاطمية لكشف الأسباب الحقيقية التي أجاعت مصر في عهدهم، واتضح أن هذه الأسباب كانت تكمن في نظم الفاطميين وفي شخصيات خلفائهم ووزرائهم وآل بيتهم، فقد وفّى النيل في سنوات كثيرة ولكن الفاطميين لم يُوفّوا فكان الجوع.