لقد سعى "بُوئِثيوُّس" إلى تأسيس نظرية للاستشارة الفلسفية، حاول خلالها أن تعالج آلام الإنسان وأمراضه الروحية والفكرية، التي يعاني منها، وذلك بسبب تجربة ذاتية مرَّ بها "بُوئِثيوُّس" نفسه، وذلك عندما حُكِمَ عليه بالسجن والإعدام. إذ طرح في كتابه "عزاء الفلسفة" حوارًا أدبيـًّا "بينه" وبين "الفلسفة"، مستخدمًا اياها لتصحيح أفكاره، وذلك عن طريق كشف النقاب عن عوارض الأشياء؛ للوصول إلى جوهرها وماهيتها الحقيقية، للوصول إلى المعنى الحقيقي للحياة، وبذلك استطاع "بُوئِثيوُّس" الخروج من حالة اليأس، ليشعر بمعنى الحياة وقيمتها. والاستشارة الفلسفية عند "بُوئِثيوُّس" هي عملية جمع المعارف وتحليلها وإعادة ترتيبها، تلك التي تكمن داخل المريض في ضوء السياق (الزماني والمكاني)، الذي يحيط به، وما يدور داخله من مشكلات وقضايا وأفكار، وما يعاني منه من آلام نفسية وفكرية على حد سواء، ثم العمل على استحضار نماذج مختارة من الأفكار والرؤى والمناهج الفلسفية واستدعائها لمختلف الفلاسفة؛ وفقًا لطبيعة المشكلة، التي يعاني منها المريض، وذلك عن طريق مجموعة من المستويات والإستراتيجيات، التي تتحدد وفقًا لحالة المريض، بهدف العلاج من مختلف الآلام الفكرية، والعقلية، والنفسية، والوجودية التي يعاني منها.