يعد التعليم أحد أهم ركائز نمو المجتمعات في أبعاده المختلفة، القيمية، والثقافية، والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بل أن جودة التعليم وقدرته على صناعة إنسان ذو وجود مؤثر في بيئته قادر على انتاج المعرفة بوعي نقدي دون الاكتفاء بتداولها هي الغاية المرجوة، فالتعليم لا يعني أبداً مجرد نقل المعلومة وتلقين المعرفة المحصورة في المنهج المدرسي للمتعلمين، وإنما هي مسؤولية إنسانية بالدرجة الأولى تعمل على بناء الوعي الفردي والذي ينعكس بدوره على المجتمع من خلال تحرير العقل البشري من سطوة الممارسة السلطوية بصورها المختلفة، فضلاً عن أن التعليم يعد من صميم قيم المواطنة في سعيها لتنمية مستقبل البلدان وبناء حضارتها.
ولا شك أن الحجر الأساس والعنصر الأبرز الذي يلعب دوراً هاماً في صناعة المخرجات والتأثير فيها هو المعلم من خلال الطبيعة الرسالية التي تحتم عليه انطلاقاً من المسؤولية الأخلاقية والخبرة الميدانية التي امتلكها في تفاعله مع الأحداث والوقائع والمواقف لتشكّل فلسفة ذات طابع نقدي، وبالتالي يكون المعلم هو الكفيل بإيصال القيم التربوية العليا إلى الوحدة المركزية في بناء المجتمع المتمثلة بالمتعلمين داخل الفصل الدراسي من خلال ما يمتلك من قيم تربوية، وقوة المعرفة، وأدوات التأثير، فهو بذلك يمثل القدوة المعرفية والسلوكية لجموع المتعلمين.
يكمن الدور الأساس للمعلم من خلال مسئوليته في عملية البناء الثقافي، وتهيئة الإمكانات لإنتاج المعرفة القائمة على استثارة الفضول، والانتقال به من حالة الفضول العفوي إلى الفضول المنهجي المستند على الحوار والمناقشة، والتواضع والاقرار بعدم امتلاك الحقيقة المعرفية المطلقة، والذي يتطلب أن يتعامل مع المتعلم على أنه ذات خاصة وكيان مستقل وليس موضوعاً يتلقى المعرفة دونما تمحيص وتدقيق، كما للمعلم دور في إضفاء معنى للمعرفة عبر ربطها بواقع المتعلمين تجنباً لأن يعيش المتعلم حالة الاغتراب بين النظرية والتطبيق.