تعددت قراءات الأثر الأدبي وطرق تأويله، واستفاد كثير منها من الدرس اللساني الغربي، فولّى الباحث المغربي محمد بازّي وجهَه شطر منهج بلاغي يربط بين النصوص والوجود والفلسفة الإيمانية، فمن الوجود يستمد الإنسان لغته المعبرة تحدثًا وكتابة، فما تحويه لغته ظل لبلاغة الكون الذي أبدع الخالق تقابلاته، في هذا المنهج وسَّع بازي مفهوم التقابل، وسعى إلى تكوين نظرية تأويلية عربية أساسها البلاغة عبر ربطها بالتأويل، من هنا يقدّم هذا البحث قراءة بلاغية جديدة للخطبة العربية، ويتيح للقارئ فرصة تتبع تحليل تقابلي لها، وتتمثل أهميته في تطبيقه منهجًا جديدًا هو منهج التأويل التقابلي الذي وضعه محمد بازي على نص تراثي ثري بالحكم والمواعظ والمثُل العليا هو خطب أكثم بن صيفي التي تعد أرضًا خصبة لتطبيقه لغناها بالتقابلات البنائية اللفظية والمعنوية على مستوى المفردات والتراكيب حضورية وغيابية، ويهدف إلى تجلية التقابلات التي حوتْها تلك الخطب، والوصول إلى الدلالات الخفية والبُنى العميقة لها، وقد توصل إلى نتائج أهمها: كشف تحليل الخطب بمنهج التأويل التقابلي عن مقاصد أكثم، والدلالات الخفية للخطب وصولًا إلى بنيتها العميقة، وبلورة فلسفة أكثم في النظر إلى وجود الإنسان في الكون، وما ينبغي أن يكون عليه بأن يغتنم حاضره ويعمره بالمثل العليا ونفع الآخرين، ويمتثل الغاية من وجوده باتباع المنهج الرباني.