ليست الشائعات شيئا غريبا أو منبوذا ترفضه جميع المجتمعات، ولو كان الأمر كذلك لاختفت الشائعات منذ القدم، ولم تجد لها تربةً ملائمة تنمو فيها ويستمر بقاؤها، منذ التجمعات البشرية الأولى وحتى يومنا هذا. وإن لم تستطع الدراسات المختصة تحديد الجذور الأولى للشائعات، فلا شك أن نشر الشائعات قديما قد استمد قوته من الوسيلة البدائية لتناقل المعلومات، والتي اعتمدت في الأساس على نقل المعلومات شفاهةً (من فمٍ إلى فم)، وهو ما كان له أثره في انتشار الشائعات بشكلٍ سريع بين الأفراد. وتهدف الدراسة إلى إلقاء الضوء على الشائعات التي كان يتم تناقلها بين الأفراد من العوام في مصر خلال العصرين البطلمي والروماني، ولا تتناول مطلقا الجزء المتعلق بالشائعات المرتبطة بشئون السياسة والحكم بين النخبة الثقافية والسياسية في الفترة ذاتها؛ فهي تحتاج لدراساتٍ مستقلة. ويتم تناول الشائعات بين الأفراد في ضوء ما يتوَّفر للباحث من وثائق بردية؛ وبالتالي فإن تقسيمات الدراسة وطريقة السرد تسير في إطار معيَّن، يقتصر على ما تجود به الوثائق البردية من معلومات، وهي في مجملها قليلة ومقتضبة في كثير من الأمور، على عكس الدراسات المصدرية في الموضوع ذاته، سواء في بلاد اليونان أو روما، والتي تتسم بغزارة المادة التاريخية وسهولة الحصول عليها وتصنيفها وصياغتها، وكذا إجابتها على كثير من التساؤلات التي تصمت عنها الوثائق البردية. كما تهتم الدراسة بتناول أثر تلك الشائعات على الأفراد، ومواقف الأفراد المتنوعة في الرد عليها، ومحاولة إزالة آثارها السلبية.