هذا البحث هو محاولة لاستكشاف الآليات الحجاجية التي يوظفها عباس محمود العقاد في كتابه "مجمع الأحياء"، ويُنطِق بها شخصياته المتناوبة خلال هذا "المجمع" على الحديث، وهي شخصيات اعتبارية يمثل كلٌ منها موقفًا فلسفيًا خاصًا من الحياة؛ ليعبر العقاد بواسطتها عن تصارع الأهواء والقيم والمفاهيم المتناقضة حول الحياة ومبادئها، ودفاع أصحاب كل مبدأ عن معتقدهم. وهو في هذا يحاجُّ على ألسنتها عن المبدأ ونقيضه في كتاب واحد، فيعبر في الواقع عن صراع داخلي خاص في ذهنه.
يستعين البحث بالأدوات الإجرائية التي أَرْسَتْها النظرية الجدلية- التداولية، وهي نظرية في دراسة الخطاب الحجاجي أسسها الباحثان في جامعة أمستردام فرانز فان إيمرن وروب غروتندورست في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، وسَعَيَا من خلالها إلى دراسة الممارسات الحجاجية في سياقها الاستعمالي، فمزجا بين البعد الوصفي التداولي والبعد المعياري المنطقي. تدرس النظرية الأفعال الكلامية الإنجازية البسيطة والمركبة في ارتباطها بالوظيفة الإقناعية، وتدرس المخططات الحجاجية والمغالطات في ضوء مقاييس الالتزام بقواعد المناقشة أو انتهاكها.
يبدأ البحث بشرح هذه الأدوات في قسمه النظري، قبل الشروع في تطبيقها على نص الكتاب في القسم التطبيقي.