التجسيد بدلاً من التجريد .......... قضية تشغل التربويون والمهتمون بتعليم الرياضيات، فالرياضيات کعلم له خصوصيته، وله لغته الخاصة، والتي تتسم بدرجة متقدمة من الترميز والتجريد، وتبدو المشکلة حينما يتم تدريس الرياضيات في مراحل التعليم بطريقة مجردة تفقد الرياضيات قيمتها الوظيفية، وارتباطها بمناشط الحياة، وهو الأمر الذي ينصب في الأخير على مشاعر سلبية للمتعلمين نحو الرياضيات، بل قد يتولد لدى المتعلمين بعض مظاهر القلق نحو تعليم الرياضيات. وتؤکد التوجهات التربوية الحديثة على أن تعليم الرياضيات ينبغي أن يتوجه نحو تجسيد تعليم الرياضيات من خلال المداخل التي تجعل المتعلم نشطًا عند اکتسابه المفاهيم والمهارات الخاصة بالرياضيات، وفي هذا السياق يشير باريس Paris,2013) ( إلى أن القيمة الحقيقية لتعليم الرياضيات تتحقق من خلال الأنشطة المبنية على الکيفية التي يتعامل بها الأفراد مع الرياضيات خارج أسوار المدرسة، وهو الأمر الذي يتطلب التجديد في أدوار المعلمين؛ بحيث يتعدى دورهم المنظور الأکاديمي البحت والمجرد لتعليم الرياضيات ، کما يبين فيندکانديلاري وآخرون et al.,2012)Vandecandelaere( أن تعليم الرياضيات يتضمن ثلاث مکونات رئيسة وهي الرياضيات الأکاديمية، والتمتع بالرياضيات، والقيمة المتصورة لتعليم الرياضيات، وأن المکونين المرتبطين بالتمتع بالرياضيات وإدراک القيمة المتصورة لها هم الأقل اهتمامًا من من قبل معلمي الرياضيات خاصة وأن إثراء هذه المکونات يتطلب بيئة نشطة تتمرکز حول المتعلم ، ويوضح يين وآخرون (Yuen et al,2010) أن مهمة التعليم لم تعد تحصيل المعرفة، بل ينبغي أن تمتد إلى مهارات تحصيل وتوظيف وتوليد المعارف الجديدة، واستخدام تلک المهارات في المواقف الحياتية دون الإقتصار على الحدود الأکاديمية الضيقة داخل القاعات الدراسية. وتعکس تلک الآراء أهمية البحث عن استراتيجيات التدريس التي تُحقق عدة أهداف من أبرزها أن تکون بيئة تعليم الرياضيات بيئة نشطة، وأن يتم ربط تعليم الرياضيات بتطبيقاتها في الحياة العملية، بحيث يتولد لدى المتعلم الشعور بمتعة تعليم وتعلم الرياضيات.
ويُعد التعلم المستند إلى المشروع أحد التوجهات التربوية المعاصرة التي يٌعول عليها التربويون في إثراء بيئة تعليم الرياضيات،وإکساب تعليمها روح المتعة،ويعتبر التعلم المستند إلى المشروع Project-Based Learning هو مجموعة من المهمات المرکبة المستندة إلى مشکلة، أو مسالة تتحدى تفکير المتعلم؛ بحيث يُمارس فيها الطلبة مهارات حل المشکلات واتخاذ القرار والاستقصاء والکتابة والعروض الشفوية والحوار والتأمل، بغرض اکتساب المتعلم المفاهيم والمهارات الأساسية بالإضافة للمهارات الشخصية (مطرية، 2009؛ عبد،2012)، ويشير توماس (Thomas,2000) إلى أن التعلم المستند إلى المشروع يعمل على إعادة تشکيل دور المعلم والمتعلم ، من خلال العمل على وضع المتعلم في مواقف تحاکي استخدام الرياضيات في الحياة العملية، ويُمارس المتعلم مهام مختلفة ومتشابکة تتطلب منه الحوار والمناقشة والتفاوض واتخاذ القرار وحل المشکلات وتوظيف المعارف والمهارات الأکاديمية؛ بحيث يصبح التعلم ذي معنى. وتبين الشعيبية (2008) أن التعلم المستند للمشروع هو أحد التوجهات المعاصرة في إثراء بيئة التعليم؛ حيث يمثل خلاصة فلسفة جون ديوي ووليم کالباترک التي عملت على ربط المدرسة ببيئة الطالب من خلال وضع الطالب في مواجهة مواقف ومشکلات تتطلب المقابلات، وجمع المعلومات، والتحقق من صحة المعلومات، والتجريب،والقياس من خلال المشارکة مع الزملاء، وذلک وفق تخطيط دقيق للمعلم الذي يقصر دوره على الإرشاد والتوجيه والتيسير للمهام المحددة لطلابه. ويرى أمبو سعيدي والبلوشي (2009) أن التعلم المستند إلى المشروع يمثل نقلة نحو بيئة تعليمية مبدعة من خلال الخبرات المباشرة أو غير المباشرة التي يتعامل فيها المتعلم مع أقرانه من جانب، ومع متغيرات بيئة التعلم من جانب آخر. وتتفق عدد من الدراسات في فعالية استخدام التعلم المستند إلى المشروعات في تنمية المهارات العملية والحياتية (الحصان،2012 ؛ الشربيني، 2009؛ علي والطائي،2011؛ Baykan,2013 & Ciftci) ، ومن الناحية الأکاديمية تتفق الدراسات في أثر استخدام التعلم المستند إلى المشروعات في تنمية التحصيل الأکاديمي (الشربيني، 2009؛ مطرية،2009؛Solmon,2003 ؛ Boaler,2003؛ Chan & Lin,2008؛ Dennis & Mary,2008)، کما تشير الدراسات إلى مؤشرات إيجابية في دور التعلم المستند للمشروع في تنمية بعض القدرات العقلية والتفکير (الحصان، 2012؛ أحمد ،200؛ ,2012Schwalm & Tylek؛Ching & Hsu,2013؛Lou et al.,2014 ) ، ومع ذلک يرى الباحث أن الدراسات السابقة التي اعتمدت على التعلم المستند للمشروع لم تطرح نماذج تدريسية تُمثل إطار مرجعي يمکن الاعتماد عليه للمهتمين باستخدام المبادئ التربوية الخاصة بالتعلم المستند إلى المشروع، وهو مايدفع الباحث للعمل على طرح نموذج تدريسي قائم على التعلم المستند للمشروع في الدراسة الحالية.
وإذا کان التعلم المستند إلى المشروع يُمکن أن يعالج بعض أوجه القصور في تدريس الرياضيات بصورة عامة، فإن الحاجة لاستخدامه في تدريس الهندسة تبدو أکثر أهمية خاصة وأن نتائج الدراسات تشير للعديد من أوجه الصعوبات في استيعاب المفاهيم الهندسة مثل: مفاهيم الحجم والمساحة والمحيط والأشکال الهندسية البسيطة والمجسمات وخواص الأشکال الهندسية (حفني ، 2000؛ علي،2007 ؛ حسن،2013 ؛Cawley,2009 ؛Zhang et al.,2012؛Starcic et al.,2013 ) ،کما تؤدي هذه الصعوبات في استيعاب المفاهيم الهندسية إلى قصور في قدرات الطلاب على حل التمارين والمشکلات الهندسية (هلال ،2007؛ أحمد ،2008؛,2009Markey ؛ et al.,2014Dobbins) ؛ ونتيجة لعدم استيعاب تلک المفاهيم قد يحدث خلط کبير بين المفاهيم والسمات الخاصة بها (الدويري والعديلي، 2014)، کما يؤثر ضعف استيعاب الطلاب للمفاهيم الهندسية سلبًا على مهارات التفکير المرتبطة بالهندسة، ومن أبرزها التفکير الهندسي (عبد القوي،2007؛ عبد الحميد وآخرون، 2011؛ بدر، 2011) ، وقد يمتد تأثير ضعف استيعاب المفاهيم الهندسية إلى مستويات متقدمة في التعليم، وقد تصل إلى مستوى الطلاب المعلمين في تخصص الرياضيات (منصور، 2013).وفي ذات السياق يتوقع أن يسهم استخدام التعلم المستند إلى المشروع في تنمية بعض المهارات الشخصية بحکم الممارسات التي يمارسها الطلاب من أنشطة مختلفة مع الأقران، ويرى الباحث أن المهارات القيادية تأتي في مقدمة تلک المهارات من خلال الأدوار والمهام التي يقوم بها الطلاب، ولعل ما يزيد من أهمية الاهتمام بمتغير القيادة أنه لايقع ضمن الاهتمامات المباشرة للمهتمين بتعليم الرياضيات من جانب؛ بالإضافة إلى أن نتائج الدراسات تشير لقصور بشکل عام في تمکن الطلاب من مهارات القيادة حتى على مستوى المراحل التعليمة المتقدمة (أوين،2007؛قناوي، 2008؛مصطفى، 2009؛ الصافي ،2010).