فى ظل الانفجار المعرفى و التقدم العلمى والتقنى الذى يشهده هذا العصر أصبح من المتعذر أن تقوم المؤسسات التعليمية – النظامية وغير النظامية- باستيعاب جميع جوانب المعرفة مهما حاولت تمثلها، وتبقى کمية المعلومات ومستوياتها خارج هذه المؤسسات أکثر مما هى عليه بداخلها، ومعنى ذلک أنه ليس بإمکانها وحدها تزويد المتعلم بکل شيء، ويتطلب ذلک أن يکون الفرد قادراً على استيعاب هذا الکم الهائل من المعرفة الإنسانية المتطورة المتسمة بالسرعة في التغيير ، فضلاً عن التعقيد ، ولن يتحقق ذلک إلا بتکوين الأفراد ذوى العقلية الناقدة.
لذا بات من الضرورى تحويل مصدر الثقة والصدق من الکاتب إلى القارئ، وعلى هذا فقد أمسک القارئ بزمام نفسه وأصبح هو مصدر القرار، فما يکتبه الکاتب ليس صدقاً أو کذباً، وليس صحيحاً أو خطأ حتى يحکم القراء أنفسهم بما يرونه فيه؛ ولکى يکون الحکم موضوعيا کان لابد من بناء القارئ الواعى، القارئ الناقد الذى لا يتوقف عند حد التعرف والنطق ، بل يصل إلى الفهم والسيطرة على مهارات التحليل والتفسير والنقد والتقويم (مدکور، 2000،113؛ رفاعى،2011، 54)
ولعل تأکيد خبراء المناهج وطرق التدريس على ضرورة الاهتمام بالتنمية الذهنية الشاملة للطلبة في مختلف مراحل التعليم، وتزويدهم بمهارات القراءة الناقدة مرده التخوف والاعتقاد بأن مظاهر التقنية المعاصرة تشير بما لا يقبل الشک بأن مظاهر الحياة سوف تکون محکومة بسرعة التغير وتجدد المعرفة، مما يستوجب إعدادهم لمواجهة المستقبل من خلال إکسابهم مهارات التفکير الناقد والفهم الناقد.
وهذا کله يؤکد حقيقة مؤداها: أن مهارات الفهم الناقد وسيلة تُساعد الفرد على أن يمتلک عقلاً متفتحاً وسلوکاً ناقداً يتيح له فرصة اکتشاف الأفکار والعلاقات ومراجعتها وتقويمها، وإعداد تصورات حول مضامين
الموضوع المقروء، وعمل استنتاجات وصياغة معايير جديدة وتنبؤات محتملة؛ ومن هنا يتکّون الفرد ذا الشخصية القوية الذى لا يتأثر بما حوله بل يؤثر فيه، له فکر ثاقب، وعقل مفکر يتدبر به، ويفند ما يقرأ؛ وهذا هو مطلب القرن الحادى والعشرين.
من هنا تتضح الرؤية بأن تدريب الطلاب على النقد وکيفية إصدار أحکام موضوعية سليمة يمثل نوعاً من الالتزام المهنى يفرض نفسه على المؤسسات التعليمية تجاه أبنائها، خاصة بالنسبة لطالب المرحلة الثانوية الذى يتأهب ليأخذ دوره فى التعليم الجامعى وبين رجال الأمة فى معترک الحياة ليترجم کل الآمال والطموحات إلى واقع عملى ملموس داخل المجتمع .