يُعدُّ التَّعليم العالي من أهمِّ القطاعات المجتمعيَّة التي يتطلَّع إليها أيُّ مجتمع يسعى لتطوير نمط الحياة فيه، فالتَّعليم العالي يمثِّل المرحلة التَّخصُّصيَّة من التَّعليم، والمناط بها إعداد الکوادر المؤهّلة القادرة على النُّهوض بالتَّنمية، وذلک يکون بتجويد مؤسَّسات التَّعليم العالي والبرامج المقدَّمة فيه خيالًا لا بديل له، وهو الطَّريق الوحيد للارتقاء بمستوى الأداء، ويمثِّل الاعتماد الأکاديمي أحد الأساليب الأکثر شيوعًا واستخدامًا للحکم على مؤسَّسات التَّعليم العالي بأنَّها تحقِّق الجودة وفق المعايير العالميَّة.
تتطلَّب الجودة الأکاديميَّة التَّنسيق والتَّکامل والمشارکة بين عناصر العمليَّة الأکاديميَّة داخل المنظَّمة الجامعيَّة من جهة وعناصر البيئة الخارجيَّة للمؤسَّسة الجامعيَّة من المستفيدين والمموِّلين والمشرفين والمعنيين من مختلف قطاعات المجتمع وشرائحه من جهة أخرى، ومن هذا المنطلق انبعثت فکرة الاعتماد الأکاديمي لتصبح مرجعيَّة مجتمعيَّة مستقلَّة، تترکز مهامُّها ومسئوليَّاتها ووظائفها وممارساتها على تقويم الأداء الجامعي، ومدى التزام مؤسَّساته بتوفير معايير ومتطلَّبات الجودة في مدخلاته وعمليَّاته ومخرجاته. (صائغ، 2007م: 36)
ولعلَّ من أبرز عناصر العمليَّة الأکاديميَّة داخل المؤسَّسات التَّعليميَّة الجامعيَّة- بل والعنصر الفاعل فيها- هو عضو هيئة التَّدريس بالجامعة، حيث يقع على عضو هيئة التَّدريس جزء کبير من نجاح أهداف التَّعليم الجامعيِّ.
وقد تعدَّدت مهامُّ عضو هيئة التَّدريس وتطوَّرت بتطوُّر وظائف الجامعة نفسها على مرِّ التَّاريخ، حيث لم يعدْ الدَّور التَّقليدي للجامعة في نشر العلم والمعرفة هو هدفها الوحيد، بل انضمت إليه أهداف أخرى، وحدَّدت بناءً عليها وظائف الجامعة في ثلاث وظائف أساسيَّة هي التَّدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع، کما أنَّ هناک مسئوليَّات أخرى أيضًا يمکن أن تُضاف لمهامِّ عضو هيئة التَّدريس، کالمشارکة في إدارة الجامعة أو الکليَّة التي ينتمي إليها، وهذه التَّغيُّرات في وظائف الجامعة وأهدافها، والتَّغيُّرات المستمرَّة المعرفيَّة والتَّقنيَّة وغيرها جعلت من التَّنمية والتَّطوير المستمرِّ لعضو هيئة التَّدريس أولويَّة يجب الالتفات إليها، وضرورة قائمة لتحقيق تلک الوظائف والأهداف. (العمري،2010م: 2)
کما أن تطوير التَّعليم العالي وتحقيق الکفاءة والفعالية الأکاديميَّة يُعدُّ مطلبًا ضروريًّا لضمان نجاح خطط التَّعليم، وتحقيق أهدافه التَّنمويَّة، ولکي نضمن فاعليَّة التَّعليم العالي بصفة خاصَّة لا بُدَّ وأن يتمَّ توفير الاحتياجات البشريَّة والماديَّة والأکاديميَّة والتَّقنيَّة التي تضمن تفعيل مؤسَّسات التَّعليم العالي وضمان نجاح دورها في المجتمع، وضمان الجودة التَّعليميَّة في المرحلة الجامعيَّة وما بعد الجامعيَّة.
کذلک فإنَّ اختيار الکفاءات البشريَّة سواء للتَّدريس بالجامعة أو الإداريين الذين ينظمون العمل الإداري لأعضاء هيئة التَّدريس بالجامعة أساسٌ فعالٌ في ضمان جودة عمليَّة التَّعليم العالي.
وإن عضو هيئة التَّدريس في مؤسَّسات التَّعليم العالي هو العنصر الفاعل والرئيس في جودة البرامج والأنشطة التَّعليميَّة على اختلاف أهدافها، ووجود عضو هيئة التَّدريس المتميِّز ينعکس إيجابًا على الکفاءة الدّاخليَّة والخارجيَّة للبرامج الأکاديميَّة. (خليل، 2011م: 201)
وتعتمد الجودة الکليَّة لمؤسَّسة التَّعليم العالي على نوعيَّة أعضاء هيئة التَّدريس بها؛ لأن عضو هيئة التَّدريس المتميِّز يضع البرامج والمناهج المتطوِّرة التي تهدف إلى ضمان خريج متميِّز وقويٍّ، وفتح قنوات اتصال بينه وبين بيئته المحيطة حتى يمکن أن يکون شريکًا فاعلًا في برامج التَّنمية الوطنيَّة، والإسهام في البحث والتَّنقيب العلمي من أجل المساهمة في تقديم الرُّؤى العلميَّة لحلِّ مشکلات التَّنمية.
ولکي يکون تميُّز عضو هيئة التَّدريس مضمونًا فإنَّ هناک حاجة ماسَّة لتهيئة المتطلَّبات والمقوِّمات التي تمکِّن عضو هيئة التَّدريس من الاستجابة والاستيعاب الکامل لحاجة المرحلة الحاليَّة والمستقبليَّة، ويعتبر نموُّه الأکاديمي المستمر من الأولويَّات التي ينبغي على إدارات مؤسَّسات التَّعليم العالي إيلاؤها أهمِّيَّة کبيرة جدًّا. (الزکري، 2009م: 142)
وتؤيد العديد من الدّراسَات هذا الطرح؛ فالتَّقرير النهائي للمؤتمر العالمي للتَّعليم العالي (1998م) يوصي بأهمِّيَّة اعتماد سياسة حازمة لتنمية قدرات العاملين في مؤسَّسات التَّعليم العالي، وأکَّد فيما يخص أعضاء هيئة التَّدريس ضرورة وضع إستراتيجيَّات واضحة لحفزهم على استيفاء کفاءتهم وتحسينها، وتؤکد دراسة آل زاهر (2012مـ: 4) أنَّ دور الهيئة التَّدريسيَّة بمؤسَّسات التَّعليم العالي دور متجدد بصفة مستمرَّة، مما جعل الکثير من الجامعات العالميَّة ترکِّز على التَّطوير الأکاديميِّ لعضو هيئة التَّدريس، بهدف تطوير العمليَّة التَّعليميَّة، وتأکيد رسالة مؤسَّسة التَّعليم العالي، واستيعاب التَّطورات الجديدة المتسارعة في مجالات وأدوار عمل هيئة التَّدريس المتعدِّدة والتي تشمل: (التَّطوير التَّدريسي والمعلوماتي والتَّقني والمنهجي والإداري والبحثي والتَّقويمي والتَّخصصي). وانطلاقاً من اهتمام حکومة المملکة الرشيدة على النهضة بمجال التَّعليم عامَّة والتَّعليم الجامعي خاصَّة
وتعدُّ جامعة شقراء من أحدث الجامعات السُّعوديَّة التي صدر القرار الملکي بإنشائها، حيث صدر المرسوم الملکي الکريم رقم (7305/ م ب وتاريخ 3/9/1430هـ) بإنشاء جامعة شقراء؛
وتتطلَّع الجامعة مع باقي الجامعات خلال خطة التَّنمية التَّاسعة إلى تحقيق أهدافها العامَّة، المتمثلة في إعداد وتنمية القوى البشريَّة الوطنيَّة، وتوفير الکوادر المؤهِّلة والمدرِّبة للوفاء بمتطلبات التَّنمية واحتياجات سوق العمل، وإثراء حرکة البحث العلمي، وتطوير الدّراسَات العليا لتلبي قضايا المجتمع واحتياجات التَّنمية. کما تتطلَّع الجامعة بالتَّوسُّع في قبول طلاب الثَّانويَّة ما أمکنها ذلک، وتطبيق الأنماط المختلفة من التَّعليم. وستفتتح أيضًا المزيد من الکليَّات العلميَّة خلال الخطة التَّاسعة؛ لتلبية حاجة التَّنمية من القوى الوطنيَّة المؤهلة، وتضم الجامعة حاليًّا (21) کليَّة موزعة في عدَّة محافظات ومراکز غرب مدينة الرِّياض، وهي: شقراء، وحريملاء، والقويعيَّة، والدّوادمي، وساجر، وضرماء، وعفيف، والمزاحميَّة، وثادق، والمحمل.
، وتسعى الجامعة إلى الحصول على الاعتماد الأکاديمي، والارتقاء بمستوى الأداء الأکاديمي للجامعة، ولا يتحقَّق ذلک إلا بوجود هيئة تدريسيَّة ذات کفاءة عالية، ومتحقَّق لها کافَّة الاحتياجات الأکاديميَّة التي تساعدها على القيام بدورها؛ ولذا سعت الباحثة في هذه الدِّراسَة إلى تحديد أهمِّ المتطلبات الأکاديميَّة لأعضاء هيئة التَّدريس بجامعة شقراء.