منذ أن تم تشخيص اِضْطِراب طَيْف التوحَّد في أربعينيات القرن الماضي وهو يشتمل على عدة مظاهر سلوکية تميزه عن غيره من الاضطرابات النمائية الأخرى خاصة فيما يتعلق بتکرار السلوک، وعدم القدرة على التواصل والتفاعل مع الآخرين، مما ينعکس سلباً على المهارات الاجتماعية للطفل (Kargas, Lopez, Reddy, et al.,2015,p.658). وهذا ما أکده آخر تنقيح للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في طبعته الخامسةDiagnostic and statistical manual of mental disorders "5th ed" (DSM V,2013) أن اِضْطِراب طَيْف التوحَّد أحد الاضطرابات النمائية العصبية التطورية التي تظهر لدي الأطفال في مرحلة الطفولة المبکرة وحتي عمر الثماني سنوات، ويتميز بالقصور في التواصل والتفاعل الاجتماعي، وغالباً ما يرافقه الحرکات النمطية، أو السلوکات المتکررة (American Psychiatric Association,2013,p.809). ومع تعالي الصيحات المحلية والعالمية المحذرة من خطورة اِضْطِراب طَيْف التوحَّد، مازال الأمر يزداد سوءاً يوماً بعد الآخر، ففي عام 2014 استيقظ العالم علي المعلومات الواردة منCenters for Disease Control and Prevention (CDC) مرکز السيطرة علي الأمراض والوقاية منها والتي تشير إلي إصابة 1.5% من أطفال الولايات المتحدة الأمريکية باِضْطِراب طَيْف التوحَّد بمعدل (طفل واحد من کل 68 طفل) في عمر الثماني سنوات، بواقع (1: 42) للذکور، و(1: 189) للإناث (CDC,2016,p.6)، بزيادة بلغت نسبتها30% عن عام 2012.
علي الرغم من أن الاهتمام باِضْطِراب طَيْف التوحَّد بدأ منذ فترة ليست بالقليلة إلا أن أسبابه مازال يکتنفها الغموض الشديد حتي يومنا هذا فيما عدا بعض الفرضيات والاحتمالات التي في الغالب لا تصمد طويلاً مع بقاء الاضطراب، وعدم التعافي منه بشکل تام؛ لذا کان من الضروري أن تتم عملية التشخيص -في هذه الدراسة- بمنتهي الدقة من خلال استخدام مقياس جليام التقديري لتشخيص اِضْطِراب طَيْف التوحَّد وذلک لتحديد درجة الاضطراب، بالإضافة إلي تعاون فريق متکامل لتشخيص حالة الطفل التوحَّدي اشتمل علي: طبيب الأطفال، الطبيب النفسي، معلم التربية الخاصة، وغيرهم علي حسب الحاجة، بالإضافة إلي الوالدين؛ ذلک لأن الأمر يتعلق بجوانب طبية، نفسية، سلوکية، أسرية، اجتماعية، تربوية، وتعليمية تکاد تکون متداخلة ومترابطة بشکل کبير.
من خلال مشارکة الباحثة ضمن مشروع بحوث الفعل بالمدارس Action Research for all schools التابع لمعهد الشرق الأوسط للدراسات العليا التابعة للجامعة الأمريکية بالقاهرة، والذي يمثل مصدراً ذا قيمة في تقوية العلاقة بين النظرية والممارسة، ويُعرف علي أنه العملية التي من خلالها يحاول المعلمون دراسة مشکلاتهم بشکل علمي لتوجيه، تصحيح، وتقويم قراراتهم وأفعالهم (Goodnough,2011,p.4)، قامت الباحثة بمجموعة من الزيارات الميدانية بهدف التعرف علي الواقع المدرسي، ومن خلال الجلسات الحوارية، والمناقشات الفردية والجماعية مع عناصر العملية التعليمية، أظهرت الدراسة الاستطلاعية معاناة المعلمين التواصل مع الأطفال ذوي اِضْطِراب طَيْف التوحَّد، مما يُلقى علي کاهلهم الکثير من الصعوبات أثناء تعليم وتدريب هؤلاء الأطفال؛ فهم لا يدربوهم على اکتساب مهارات جديدة فحسب، بل يتخطى ذلک إلي التعامل مع أبرز خصائصهم المتمثلة في انخفاض مستوى التواصل والتفاعل الاجتماعي، مما يشعرهم بالإحباط نتيجة لعجزهم عن التواصل معهم، وضبط السلوکات غير المرغوبة في الصف حتى تصبح الحصة الصفية أکثر فاعلية.