في ظل المتغيرات التي شملت جميع الاتجاهات الفکرية، کان لزاما أن يکون الحقل الأوسع للتغيير هو حقل التربية بصورة عامة والتعليم بصورة خاصة، فمنذ منتصف القرن الماضي ظهرت على الساحة الأصوات المنادية بالتغيير من بداية التخطيط وبناء المناهج مرورا بالاستراتيجيات التي تقدم الخبرات والمهارات الجديدة التي يحتاجها المتعلم في حياته العلمية والتعليمية وانتهاء بالمخرجات التي يرجوها المجتمع.
ومن أهم التغييرات في المنهج المدرسي هو توجيه الترکيز من المعلم إلى المتعلم، ومن التلقين إلى التفکير، واستثمار إمکانيات الطلاب ومهاراتهم وطاقاتهم في تحصيل المعلومة وإتقان المهارة.
وهذا التغيير لا يحدث مباشرة من الفکرة إلى التطبيق، ولکن انتقلت وتطورت عبر مراحل عديدة للوصول إلى الإبداع المنشود والهدف المقصود (جلالة،2012،22).
ويرى کثير من المهتمين في مجالات التربية أن الحرص على معاونة الطلاب في اکتساب المهارات وجعلها واقعا تطبيقيا في البيئة الصفية، هو من أهم الأهداف التعليمية التي ساعدت الدول في النهوض العلمي والتقني (المنادي،2015).
فالتفکير هو کما عبر عنه (جلالة، 2012) "ثروة بشرية لا تقدر بثمن، وهو قبل کل شيء حاجة بيولوجية ملحة بقدر ما هو حاجة علمية وسيکولوجية وروحية ". فبدون التفکير يصبح الطالب أداة تلقي جامدة، ووعاء لجمع المعلومات دون استيعاب أو تطوير، ولذلک ظهرت أهمية تضمين الکتاب المدرسي لمهارات التفکير التي تسير بالمتعلم نحو التعامل مع المعلومة وتحليلها إلى أصولها الصحيحة ثم إصدار الأحکام عليها وتطبيقها لنحصل في نهاية المطاف على مخرجات قادرة على استثمار المهارات في بناء مجتمع واعٍ ومتقدم.
عندما نتکلم عن التفکير فإننا نقصد طريقة التعامل مع المعلومة واکتساب الخبرات والمهارات منها، وبصورة خاصة فالمقصود بالتفکير بصورة خاصة هو کما عرّفه (کرم،1996) بأنه "طريقة للتعلم بمعنى القدرة على اجتياز مرحلة إلى أخرى منها خلال المرور بخبرة ما أو معلومة، والقدرة على تطبيق هذا التعليم الجديد في مواقف تؤدي إلى تطور موقف الفرد وتنميته حسب هذا الموقف التعليمي أوالحياتي".
فالتفکير في التعليم هو مهارة أساسية تکتسب عن طريق استثارة المتعلم، ومن ثم تطبيق الخبرات في مواقف مختلفة يمر بها المتعلم سواء کان ذلک داخل الصرح التعليمي أو من خلال حياته العامة.
إن الاکتفاء فقط بمعلومات محدودة تلقّن للمتعلم دون وعي واستيعاب منه لا يمکن أن يضاهي بها التطور السريع في المعلومات التي تتوسع بمعدل واسع وسريع وبهذا نعرف أهمية مهارات التفکير العليا وتضمينها في المحتوى المدرسي، وهو ما يشکل تحديّا حقيقيا للمربّين (الأحمد، 2003،36).
إن حاجة أي مجتمع إسلامي إلى مهارات التفکير هي في الحقيقة تستمد روحها من الإسلام ، فالدين الإسلامي يعد المسلمين على تربية العقول من خلال التفکير والتفکر في شتى المجالات، ولذلک تجد في القرآن کلمات صريحة بالتفکير (يتفکرون / يتدبرون)، فأسلوب التفکير السليم هو متوافق تماما مع المنهج الإسلامي الذي يبني المجتمع (لمناخرة، 2006،40).