لما کانت التربية تضطلع بدور إعداد النشء لمواجهة التغيرات، والتطورات التي يشهدها العالم في الوقت الحاضر، فأنها تهدف في المقام الأول إلي تزويد الفرد بالمهارات التي تساعده علي التکيف مع متغيرات العصر، ومحاولة إعداده بصورة تجعله أکثر قدرة علي أداء دوره في الحياة، والسعي إلي أن توفر له فرص الإستزادة من المعرفة الإنسانية ، واکتساب مهارات التفکير بصفة عامة ، والتفکير التاريخي بصفة خاصة، ومهارات البحث العلمي التي تساعده علي التصدي بالحلول العملية للمشکلات التي تواجهه، وتمکنه من الحصول علي المعلومات والحقائق من مصادرها الأصلية .
وتعد مادة التاريخ من المواد الدراسية التي تسهم في إکتساب وتنمية مهارات التفکير التاريخي لدي التلاميذ، لأنها تتمشي مع طبيعته ، فالتاريخ علم نقد وتحقيق يقوم علي التحليل والتعليل والتفسير ووزن قيمة الأدلة والربط بين الأسباب والنتائج وإرجاع الأمور إلي أسبابها الحقيقة ، وإجراء المقارنات والموازنات،ولهذه المهارات قيمتها في تربية التلاميذ تربية عقلية سليمة، کما أن التاريخ کمادة دراسية لا يستهدف حشو عقول التلاميذ بالمعلومات والحقائق ؛ بل يستهدف بالدرجة الأولي تزويدهم بمهارات التفکير التاريخي، واستخدامها في الکشف عن حقائق جديدة .
ويعد التفکير التاريخى بمهاراته المتعددة أحد أنماط التفکير العلمي السليم ، ويرتبط ارتباطًا وثيقا بالبناء المعرفى للمتعلم ، فتکمن أهمية تنمية مهاراته في أنها تتطلب من المتعلم إدراک الحقائق والأحداث التاريخية ، والبحث فى العلاقات بينهما ، والتوصل إلى الأسباب الحقيقية لها ، وتفسيرها بل والاستفادة منهما فى مواقف الحياة اليومية ، وهذا لا تحققه الطرائق المعتادة في تدريس التاريخ کالسرد والإلقاء علي المتعلمين ، (علي معبد ، 2007،386)(*)، بل الإستراتيجيات القائمة علي الأنشطة ، وعلي إيجابية وفعالية المتعلم .
لذا يجب الإهتمام بتنمية مهارات التفکير التاريخي باعتبارها من الأهداف الأساسية التي يجب اکسابها للتلاميذ في المراحل التعليمية المختلفة ، ليتمکن من التعامل مع المادة التاريخية بعلم وبصيرة، وفهم أسباب المشکلات أو الظواهر أو الأحداث التاريخية، وتفسيرها وإدراک العلاقات بينها، فتنمية مهارات التفکير التاريخي يساعد التلاميذ في التدريب علي النقد ،حيث يستطيع نقد ما يقرأ، کما يساعد علي تعليل الأحداث أو الظواهر التاريخية، ثم يصدر أحکاماً عليها (عادل النجدي،2013،285-286) ، کما أن امتلاک المتعلمين لمهارات التفکير التاريخي يساعدهم على الربط بين الحقائق التاريخية ، وإيجاد العلاقات بينها والوصول إلى استنتاجات، واستنباط القواعد العامة منها،وتکمن أهمية التفکير التاريخي في أنه يتطلب أکثر من إتقان الحقائق ،إنه يتطلب البحث عن العلاقات بين الحقائق التاريخية، والتوصل إلى مفاهيم تاريخية، وتطبيق تلک المفاهيم لتوضيح العلاقة بين السبب والنتيجة (صفاء محمد على, 2008، 293).