لا مراء في أن علاقة العمل الفردية قوامها عدم التكافؤ بين طرفيها؛ إذ يوضع من خلالها العامل في علاقة تبعية لصاحب العمل، ولذا يسعى المشرع إلى حماية العامل في عقد العمل وإقامة التوازن المنشود في هذا العقد. وبالرغم من تنظيم المشرع لهذه الحماية، فمن الملاحظ أنه بدأ في التراجع عنها؛ لتخليه عن مسايرة ما طرأ من تغيرات في أشكال الوظائف الجديدة واستمراره في التمسك بالقواعد التقليدية التي أضحت قاصرة عن حماية عدة شرائح عمالية، سيما عمال المنصات الرقمية. وقد أثار حكم محكمة النقض الفرنسية بشأن تكييف علاقة التبعية بين شركة أوبر وسائقيها بعلاقة عمل، جدلاً واسعًا في ساحات البحث القانوني والواقع العملي، بالنظر إلى تكييف الشركة لهذا العقد بأنه عقد شراكة، مما كان سببًا للبحث والمقارنة. فتكمن أهمية موضوع البحث، في محاولة البحث في الأسباب والدوافع المستجدة التي تحدو إلى القول بضرورة تطوير مفهوم التبعية، بما يناسب طبيعة أنماط العمل الجديدة. في حين تتمثل إشكالية البحث في قصور فكرة التبعية القانونية بمفهومها التقليدي عن توفير حماية قانون العمل للعديد من العمال وعلى وجه التحديد عمال المنصات الرقمية؛ في ظل التمسك بالعناصر التقليدية لهذه التبعية.   ولقد تناول هذا البحث موضوع تطور فكرة التبعية في ظل الاقتصاد الرقمي؛ من حيث تطور علاقات العمل وظهور عمالة المنصات الرقمية وأشكال الوظائف الجديدة، ثم موقف الفقه والقضاء من الاستدلال على وجود علاقة التبعية وتطور هذا الموقف. فضلاً عن تناول النظام القانوني للعاملين بشركة أوبر العالمية، ومظاهر التبعية بين هذه الشركة وبين سائقيها. واختتم البحث بتكييف العلاقة بين شركة أوبر وسائقيها بأنها عقد العمل، والذي من خلاله تمارس الشركة السلطات: الإشرافية والتنظيمية والرقابية والتأديبية من خلال الاتصال بالموقع الرقمي لأوبر، مما يترتب عليه تمتع السائق بالحقوق التي يتمتع بها أي عامل لوجود رابطة تبعية بينه وبين الشركة.