يأتي هذا البحث لدراسة منطقة الساحل الشرقي لأفريقيا في فترة مهمة من تاريخه، وهي نهاية القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي وبدايات القرن التالي، وهي الحقبة التي شهدت وصول البرتغاليين للمنطقة بقيادة فاسکو دي جاما، من أجل بلوغ الساحل الهندي والسيطرة على تجارته من ناحية، ولضرب اقتصاد دولة المماليک والقضاء على شبکة التجارة الإسلامية في مياه الحيط الهندي من ناحية أخرى.
لقد کان الساحل الشرقي في ذلک الوقت يتشکل من مجموعة من المدن التي استقر فيها الإسلام منذ وقت بعيد، وکان معظم حکامه وسکانه السواحيليين يدينون بالإسلام، فضلا عن الجاليات الإسلامية الکبيرة التي کانت تقصد هذه المنطقة وتستقر فيها لوقت طويل من أجل ممارسة التجارة، وهو الأمر الذي حقق ازدهارا تجاريا کبيرا لتلک المدن. کل هذا أثار دهشة البرتغاليين وجعلهم يسعون للسيطرة على تلک المدن وعلى تجارتها وطرد المسلمين منها.
في هذا السياق تأتي هذه الدراسة لتسلط الضوء على تاريخ الساحل الشرقي لأفريقيا في تلک الفترة الزمنية، وذلک من خلال الحديث عن أوضاع المدن السواحيلية وأحوال سکانها وحکامها وتجارتها عند مقدم البرتغاليين للمنطقة. وقد اعتمدت الدراسة على المعلومات والروايات المستقاة من المصادر البرتغالية المعاصرة، التي تکاد تکون- في اعتقادي- المصادر الوحيدة التي تناولت بشيء من التفصيل تاريخ هذا الساحل عند وصول البرتغاليين مع نهاية القرن 9هـــ/15م. فليس بين أيدينا- للأسف- مصنفات عربية تتحدث عن تاريخ شرق أفريقيا في تلک الفترة الزمنية المهمة، کما کان الحال خلال الفترات السابقة.