يدرس هذا البحث الحسّ الدينيّ في رحلة ابن جبير. وقد تبيّن أنّ هذه الرحلة تتنفّس في جوِّ دينيّ عميق. و تجلّى ذلک في مظاهر متعدّدة، من أبرزها صدق توکّل ابن جبير في رحلته على الله؛ فهو في حرکته الرحليّة يطلب العون من الله في تيسير السّفر، والاستعاذة من وعثائه. کما أبدى اهتمامًا ملحوظًا في وصف المظاهر الدينيّة في البلدان الّتي زارها، ووصف الفعل الإنسانيّ المنبثق من عقيدة الإسلام في مجالات الحياة المختلفة، ونقل ابن جبير في رحلته مشاهد تستجيش المشاعر لزيارة البيت الحرام أثناء تأديته فريضة الحجّ؛ وکأنّه أراد أن يشوّق النّاس إلى زيارة الديار الحجازيّة، وأداء فريضة الحجّ. وأبدى إعجابه ببعض الشخصيّات الإسلاميّة لما کانت تتحلّى به من صفات الإنسان المسلم کما ينبغي أن يکون، ولا سيّما صلاح الدين الأيّوبيّ الّذي بسط العدل في الرعيّة، وجاهد الفرنجة، وهزم جيوشهم، واستردّ القدس منهم. وکانت نظرته إلى الآخر الفرنجي تقوم على أساس دينيّ، لذا فقد رأى أنّ التعايش معه ليس ممکنًا لأنهم غازون محتلّون.