شهد العصر العثماني ازدهارًا في ترميم وإعادة بناء العمائر المسيحية، وأحيانًا تشييد منشآت دينية جديدة، وخاصة خلال الفترة الممتدة من منتصف القرن السابع عشر وحتى نهاية القرن الثامن عشر. حيث توافرت وقتذاک عدة عوامل ساهمت بشکل مباشر في هذا الازدهار؛ الذي انعکس بوضوح في بعض نماذج الکنائس والأديرة التي سجل عليها تاريخ إنشائها أو تجديدها إبان هذا العصر، أو تلک التي تشير عناصرها المعمارية والزخرفية إلى انتمائها إلى العصر نفسه. في هذا السياق، تعد الوثائق مصدرًا مهمًا يمکن من خلالها استقراء التغيرات التي طرأت على عمارة المنشآت الدينية المسيحية من حيث ترميمها وتجديدها وإنشائها أو هدمها. وتمثل وثائق العصر العثماني أحد أهم المصادر الرئيسة لدراسة نواحي العمران والأحياء والخطط في القاهرة العثمانية، وذلک نظرًا لما تتضمنه من معلومات تشتمل على مسميات کثير من الخطط والحارات والدروب، وکذلک مسميات العمائر، وبعض أسماء الأعلام ذات الصلة. وسوف تناقش هذه الورقة البحثية ترميم وتجديد بعض الکنائس بمدينة القاهرة خلال العصر العثماني، عبر تقسيمها إلى فئتين رئيسيتين: الأولى، الکنائس التي تم تجديدها؛ وهي الکنائس التي أعيد بنائها بشکل کامل تقريبًا، وتتمثل في نموذجين: 1) کنيسة العذراء قصرية الريحان، 2) کنيسة العذراء الدمشيرية. أما الفئة الثانية فتمثل الکنائس التي تم ترميمها؛ وهي تلک الکنائس التي أعيد بناء (أو استکمال) بعض أجزاءها، وتتمثل في نموذجين أيضًا: 1) کنيسة أبي سيفين، 2) کنيسة العذراء بحارة زويلة.