فعنوان البحث هو "مقام التوبة بين الصوفية والمعتزلة وموقف أهل السُنة منهم"، فإننى أعتقد بأن الکلمات البکر الأولى، الغضة هى التى تستغرق البحث وتتلمس جوانبه کأنها الأم الحنون، فإن التوبة هى البداية الحقيقية للطريق الصحيح، وإذا حدث تخلف وانحراف عن هذا الطريق، فإن التوبة تمثل تصحيح وسط الطريق، أما النهاية للطريق فتجد فيه مقام التوبة بمثابة الأقدام الثابتة الراسخة التى تجعل الإنسان يشم نسمات الجنة ورياحينها، وبصيص من النور فى القلب يجعل من رؤية الإنسان لخالقه ممکنة.
فإذا صح مقام التوبة، ونزل العبد فى هذه المنزلة، قد تميز عنده ما له وما عليه. فليجمع همته وعزمه على النزول فيه والتشمير إليه إلى الممات. کما أن التوبة هى حقيقة دين الإسلام، والدين کله داخل فى مسمى التوبة وبهذا استحق التائب أن يکون حبيب الله. فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. وإنما يحب الله من فعل ما أمر به وترک ما نهى عنه. فالتوبة أول منزل من منازل السالکين، وأول مقام من مقامات الطالبين، فحقيقتها فى لغة العرب: الرجوع، يقال: تاب أى رجع، فالتوبة الرجوع عما کان مذموماً فى الشرع إلى ما هو محمود فيه.فالتوبة بوابة الرجوع إلى الله تعالى، وترک کل المعاصى کبيرها وصغيرها والندم على فعلها والعزم على عدم العودة إليها.
فالتوبة عند مشايخ التصوف علم وعمل لدرجة أن ذو النون المصري يرى أن العلوم ثلاثة: أولها علم التوبة وقبله العلم العام والخاص، فيصل الحال عندهم أن من يطلب الإرادة قبل تصحيح التوبة, فهو في غفلة وجهل عما يطلب. فإن التوبة رجوع ثم الاستغراق فى الطاعة. وبذلک تکون التوبة المقبولة هي التى تکون مقرونة بالعمل وبالتالي فإن ارتکاب الخطأ قبيح ومذموم, والرجوع من الخطأ إلى الصواب طيب ومحمود, وهذه توبة العامة، فإن الاستقرار مع الصواب وقفة وحجاب. والرجوع من الصواب إلى الأصوب محمود فى درجة أهل الهمة, وهذه توبة الخواص, ومحال أن يتوب الخواص من المعصية. فإن مخافة العارف على طاعته أشد من مخافته من مخالفته, لأنه يورث من المخالفة: الندم, والتوبة, والرجوع إليه. ويورث من الطاعة الرياء والکبر". فإن التوبة عند مشايخ الصوفية تهذيب وإصلاح للنفس, فالتائب يتوب من توبته.
الکلمات الدليلية: التوبة، الأواب، المنيب، المعتزلة، الصوفية، أهل السًنة، التوبة فرض، التوبة مستمرة، التوبة علم وعمل.