من بين معالم الحركة الفكرية الراهنة في أدبيات التربية، وفي غيرها من أدبيات التنمية، ما نلحظه من معالجات لقضايا الوطن العربي كمجموعة ثقافية وتكتل اقتصادي في مشرقه ومغربه ويتجلى في تناولها تلك الأدبيات إبراز العروة الوثقى والتشابك بين الجهود الوطنية القطرية من ناحيه وبين العمل المشترك، والتوجهات العربية الإقليمية المتمثل في منظمتها في الجامعة العربية، وفي منظماتها النوعية، ومن بينها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وهناك إدراك متزايد بأن اقطار الأمة العربية شريكة حياة ومصير في عالم اليوم والغد ومرد ذلك الى الوعي الملح فكريا ووجدانيا بأن الناتج الكلي أكبر من حاصل جمع مفرداته. وقد كان لظهور تيارات العولمة ومحاولاتها تنميط حياه الامم وقولبتها في صور ونماذج، أن بدأت الجهود في تكوين تكتلات اقليمية دولية بعضها يتهيأ من أجل تأكيد مصالحها الوطنية والإقليمية المشتركة، فضلا عن مسؤولية الحفاظ على مقومات هويتها الثقافية وخصوصيتها الحضارية، ويبدو انه كلما ازدادت الضغوط العولمية وتهديداتها يتنامى الوعي ويحتد بتلك المقومات والسعي الى مقاومة كل ما تهدف اليه العولمة من امركة في المصالح والعقول. ولعل تقرير لجنة (خافيير دي كويلار) الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بعنوان( التنوع الانساني المبدع )، والذي اصدرته منظمه اليونسكو، يعبر بصوت علمي انساني في موجهة تهميش الثقافات الوطنية الإقليمية، وقد استعار في توجهه مقوله (المهاتما غاندي) وهو يواجه موجات الاستعمار البريطاني حيث يؤكد:( انني على استعداد لأفتح نوافذ بيتي على كل التيارات من حولى، ولكنني أرفض ان ينتزعني اي منها من جذوري)، وتواكب ذلك التقرير بمقوله (شو إن لاى) الذي كان وزيراً لخارجيه الصين حين عبر عن موقف بلاده ايذاء محاولات الزحف الغربي ومنتجاته الثقافية والتكنولوجية في عباراته القصيرة ذات الدلالة البالغة، (ليكن كل ما هو عالمي في خدمه كل ما هو صيني).  وفي عالمنا العربي جرت دراسات وندوات عديده تحلل ظاهرة العولمة وتوجهها لترى ما تنطوي عليه بالنسبة لوقعنا ومستقبلنا، وما فيها من فرص ومخاطر. وتشكل وعي متنام بالمصير المشترك معرفة بالفرص وسعياً لدرء المخاطر.  ولم يكن ثمة تردد من ضرورة الإفادة من الثروات العلمية والتكنولوجية، استيعابا وتوظيفا في التعليم والتعلم والبحث وفي عمليات الانتاج والخدمات، ومن المخاطر الجاسمة للعولمة ما تقتضي الالتفات والحذر والنقد لرسائل ما تبثه الإذاعات الفضائية التي تعج بها حالياً سماوات الكون. هذا مع المواجهة وضرورة التحصين من كل التيارات الصريحة والمستترة التي تسعى لوأد مقومات تماسكنا وترابطنا الاجتماع والثقافي.