فتحت نظرية التلقي آفاقا رحبة لدرسة استجابات القارئ وتجاوبه مع النصوص، ومن بين النصوص الجديرة بالدراسة والنقد تلك النصوص الموضوعة التي وضعت لتحاكي نصوصا نبوية مرفوعة، فنسجت على منوالها للترغيب تارة وللترهيب تارة أخرى، تحركها دواعي القبَلية والتعصب حينا أو دواعي الجهل حينا آخر، وقد أتاحت نظرية التلقي للقارئ استقلالا معرفيا وسلطة إجرائية لاستقبال تلك النصوص.

وتقدم الدراسة تصورا يناسب دراسة النص الموضوع بوصفه نصا فنيا يحمل صفات الفنية التي هي دأب المنتج، وصفات جمالية هي هدف المتلقي، وصفات بنيوية وأسلوبية هي عماد النص، لتتلاقح عناصر العملية التواصلية في هذا الإنتاج، وقد جعلت الدراسة من إجراءات نظرية التلقي ومبادئها منهجا للتحليل، ولم تغفل الدراسة معيار المقبولية في الدرس النصي لتتلاقى هذه النظريات المعرفية حتى تكشف عن طرق الوضع وأساليبه وآليات استقبال المتلقي لها.

وحددت الدراسة عدة طبقات مستقبلة للنصوص، هي طبقات الوعاظ، والمثقفين، وجمهور العوام الذين يمثلون البعد السوسيولوجي لانتشار تلك النصوص، بالإضافة إلى المتلقين النقدة الذين تمثلهم مؤلفات الموضوعات والتخاريج، وكشفت الدراسة عن الدور المحوري لأداة التناص كوسيلة للسيطرة والهيمنة على المتلقي، وقدمت مقاربة لاستجابات المتلقي وفق نظرية التلقي لمجموعة من المفاهيم المساعدة؛ فعرضت لوظائف مصطلحات القارئ الضمني، والمسافة الجمالية، والسجل النصي، واندماج الآفاق، وأفق التوقع، وقدمت الدراسة صورا للتلقى وآليات الاستجابة؛ كتلقي أحاديث فضائل السور، وأحاديث وصف النبي نفسه وغيرها، وبينت ملامح بنائية وظواهر أسلوبية لتلك الموضوعات؛ كالإيجاز، والعناية بعتبة الافتتاح.

وخلصت الدراسة إلى تنوع أساليب الوضع حسب المقامات والأحوال الداعية لها، وتفاوت درجات المستقبلين، وظهر من الدراسة أن النصوص التي جاءت صحيحة المعنى اعتمدت في مضمونها على نصوص مرفوعة وهو ما يمثل جزءا من بلاغة التلاعب بالمتلقي.