لقد خلق الله تعالى البشر وكرّمهم، وأرسل إليهم رسلًا، وشرع لهم من الأحكام، ليتعايش الناس في رحمة وسلام، ويتعاملون فيما بينهم على أسس من التسامح والتعايش السلمي، ولقد عمّ الإسلام بتعاليمه وبرحمته أرجاء الكون كلّه، فلم يكن بشرائعه السمحة توّاقًا إلى العداء، أو التصادم مع مخالفيه أبدًا، أو كان ظالمًا أو باغيًا عليهم، بل كان هدى ورحمة وبشرى للعالمين، يعترف بالمخالفين، يتعايش معهم ويساكنهم، ويقيم معهم العلاقات والمعاهدات، والاتفاقات التي تضمن أمن الجميع وسلامتهم. ومن هذا المنطلق يتناول هذا البحث مفهوم التسامح باعتباره قيمة إنسانية أساسية وأحد أهم ركائز بناء المجتمعات المستقرة والمتقدمة، ويسلّط الضوء على التسامح من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية، ويستعرض أهميته في القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى تجلياته المختلفة في الحياة الاجتماعية والدولية، كما يبرز البحث المجالات المتعددة للتسامح، ومنها التسامح الديني، والعرقي، والاجتماعي، والاقتصادي، والدولي، مع التأكيد على دوره في تحقيق السلم العالمي والتنمية المستدامة. ويناقش البحث أيضًا الضوابط التي تحكم التسامح، ووسائل استدامته لضمان تحوّله إلى نهج حياة وليس مجرد شعارات، كما يخصص مبحثًا لدراسة تسامح النبي ﷺ مع المسلمين وغير المسلمين، كأحد أعظم النماذج التاريخية في هذا المجال.خلص البحث إلى أن التسامح ضرورة لا غنى عنها في المجتمعات المعاصرة، حيث يعزز الوحدة الاجتماعية، ويساهم في الحدّ من الصراعات، ويدعم التنمية الاقتصادية، وقد أوصى البحث بضرورة إدماج قيم التسامح في المناهج التعليمية، وتعزيز دور المؤسسات الإعلامية والدينية في نشر ثقافة التسامح، ووضع تشريعات تحمي التعددية، إضافة إلى تفعيل المبادرات المجتمعية التي تعزز التعايش السلمي بين الأفراد والشعوب.