422575

كلمة العدد

Article

Last updated: 27 Apr 2025

Subjects

-

Tags

-

Abstract

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تفتح للعقول أبواب الفهم، وللقلوب ينابيع النور، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، فبيّن للناس شرائع الدين، وأقام الحجة على المسترشدين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، مصابيح الدجى وحملة الفقه، الذين ورثوا علمه، وأدوا أمانته، وأقاموا معالم الشريعة بالحكمة والبصيرة... وبعد. فإن الفقه في الإسلام ليس مجرد جمعٍ للأقوال ونقلٍ للآراء الفقهية فحسب، بل هو علمٌ كامل يقوم على الفهم العميق للنصوص الشرعية، والاجتهاد في استنباط الأحكام وفق ضوابط منهجية محددة. فالفهم مقدم على القول وقد دلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ (محمد: 19)، حيث قدّم العلم على القول، مما يدل على أن الفقه يتطلب فهمًا ودراية، لا مجرد النقل والتكرار. والخيرية في قول النبي ﷺ: «مَن يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (متفق عليه)، لا تتحقق بمجرد الحفظ والنقل والتكرار وفقط، بل الأهم تحقق الفهم العميق للآراء الفقهية في التراث الإسلامي، والإدراك الواعي لمستجدات الواقع وكيفية تنزيل الأحكام عليها. ودراسة القضايا الفقهية التراثية ومقارنتها ونقدها تتطلب اتباع منهج أكاديمي رصين قائم على أصول البحث العلمي؛ فالنصوص الفقهية القديمة لم تُدوَّن في فراغٍ، بل كانت نتاج اجتهادات قائمة على معطيات عصرها، ومن ثم فإن دراستها تقتضي فهم سياقاتها التاريخية والاجتماعية، ومقارنة أقوال الفقهاء ومناهجهم في الاستدلال، وتحليل الخلافات الفقهية في ضوء قواعد الترجيح المعتبرة. كما أن النقد العلمي لبعض هذه الأقوال لا يعني رفضها، بل هو سعيٌ لإدراك علل الأحكام ومقاصدها، وتحديد مدى ارتباطها بواقعها الزمني أو قابليتها للاستمرار، وهو ما لا يتحقق إلا من خلال الدراسة الأكاديمية المنهجية التي تراعي التأصيل الشرعي، والبحث المقارن، والنظر في مقاصد التشريع. أما معالجة القضايا الفقهية المستجدة، فإن المنهج الأكاديمي يعد ضرورةً لا غنى عنها، نظرًا لتعقيد النوازل المعاصرة وتداخلها مع تطورات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية. فالمفتي أو الباحث الفقهي لا يواجه فقط نصوصًا مدونة، بل يقف أمام وقائع جديدة تستلزم استقراءً دقيقًا لمفاهيمها، وتحليلًا عميقًا لأبعادها، وربطها بالقواعد الشرعية العامة ومقاصد الشريعة الكلية. كما أن دراسة هذه القضايا بمنهجية أكاديمية يضمن إخضاع الأحكام لميزان الاجتهاد المعتبر، بعيدًا عن الاجتهادات الفردية غير المنضبطة، مما يعزز مصداقية الفتوى، ويرسّخ الفقه بوصفه علمًا متجددًا قادرًا على الاستجابة لتحديات العصر دون تفريط في الأصول أو انغلاق على التقليد. وفي ظل تضخم المعلومات الفقهية المتاحة وانتشار فوضى الفتاوى التي تفتقر إلى المنهجية العلمية والانضباط الشرعي، تبرز الحاجة الملحة إلى مصادر معرفية أكاديمية موثوقة تكون مرجعًا للباحثين وطلاب العلم، وميزانًا لضبط الاجتهادات الفقهية وفق أصول الاستدلال الصحيح. ومن هنا، جاءت مجلة دار الإفتاء المصرية، وهي مجلة علمية فصلية محكّمة، تُعنى بنشر الدراسات الشرعية الرصينة، التي توازن بين التأصيل الفقهي والتجديد المنضبط، وتستوعب القضايا الفقهية المعاصرة بروح الاجتهاد المسؤول. وحرصًا على تكامل الرؤية العلمية، فإن المجلة تستكتب نخبة من الباحثين المختصين من داخل مصر وخارجها، ليثروا ساحتها بأبحاث أكاديمية دقيقة، تسهم في تعزيز الوعي الفقهي، وتقديم حلول شرعية قائمة على الفهم العميق لمقاصد الشريعة ومتغيرات العصر.   والعدد الذي بين أيدينا من مجلة دار الإفتاء المصرية المباركة، يتناول أربعة أبحاث علمية جادة: أما البحث الأول فعنوانه: «التقاضي الذكي: طبيعته وشروطه وحجية أحكامه دراسة فقهية مقارنة»، ويُعنى بدراسة توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال القضائي من منظور الفقه الإسلامي، مع التركيز على مفهوم "القاضي الذكي" ومدى إمكانية استغنائه عن القاضي البشري. تبرز أهمية البحث في مواكبته للتطورات التقنية التي تشهدها المنظومة العدلية عالميًا، والسعي لفهم مدى توافق هذه المستجدات مع المبادئ الفقهية الإسلامية. ويتناول البحث مسألة حجية الأحكام الصادرة عن القاضي الذكي، والتخريج الفقهي لاستعانة القاضي البشري به، مستعرضًا تجارب بعض الدول في تطبيق هذه التقنية، ومنهجية البحث تعتمد على الاستقراء والمقارنة بين المذاهب الفقهية المختلفة. وقد خلص البحث إلى أن استقلال القاضي الذكي بالقضاء غير جائز من الناحية الفقهية، إذ تفتقد الأنظمة الذكية للبعد الإنساني اللازم في العملية القضائية، بينما يجوز استخدامها كأداة مساعدة للقاضي البشري في تحقيق العدالة الناجزة. كما أوصى البحث بضرورة تطوير الأطر التشريعية والفقهية لضمان توظيف التقنيات الحديثة في القضاء بما لا يتعارض مع القيم العدلية، فضلًا عن تعزيز البحث الفقهي في قضايا الذكاء الاصطناعي، وبيان الحدود التي يمكن للقاضي الذكي العمل ضمنها. يمثل هذا البحث إضافة علمية مهمة في سياق الدراسات الفقهية المتعلقة بالتحولات الرقمية في القضاء، ويعكس اجتهادًا في استجلاء الأحكام الشرعية المرتبطة بتطورات التقنية الحديثة. وأما البحث الثاني فعنوانه: «أثر الاستدلال بالذرائع فتحًا وسدًا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي»، ويعد هذا البحث دراسةً فقهيةً عميقةً تجمع بين الأصالة الشرعية والمواكبة العصرية، حيث تبرز الدراسة مرونة الشريعة الإسلامية وقدرتها على استيعاب المستجدات عبر تطبيق قاعدة الذرائع. وقدم البحث رؤيةً منهجيةً لربط الأصول الفقهية بالقضايا المعاصرة، مما يجعله إضافةً قيّمةً في مجال الاجتهاد الشرعي الرامي إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد في العصر الرقمي. وتناول البحث عددًا من القضايا المحورية، كإبرام عقود النكاح والطلاق عبر المنصات الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية، والتنمر الإلكتروني، والتعليم عن بُعد، ونقل الأخبار، مُحلِّلًا كلَّ مسألةٍ عبر منظور الذرائع فتحًا لتحقيق المصالح المشروعة، أو سدًّا لدرء المفاسد المحتملة. وأبرزت النتائج ضرورة التوفيق بين القاعدتين مع مراعاة الضوابط الشرعية، كالتثبت من صحة العقود الإلكترونية، ومنع التلاعب بالمعلومات، ووضع ضوابط للتربح المشروع. كما أوصى البحث بتعزيز الوعي الشرعي لدى مستخدمي الوسائل الرقمية، وتشجيع الجهات الرسمية على إصدار تشريعاتٍ تحمي الحقوقَ وتصون القيمَ في الفضاء الإلكتروني، مؤكدًا على أهمية الاعتدال في تطبيق الذرائع لضمان التوازن بين مراعاة المستجدات وصون المقاصد الشرعية. وأما البحث الثالث فعنوانه: «صانع السوق في أسواق الأوراق المالية في ميزان الفقه الإسلامي»، وهو دراسة فقهية معمقة، تهدف إلى تقييم دور صانع السوق (الماركت ميكر) في الأسواق المالية الحديثة وفق الضوابط الشرعية. ويُبرز البحث أهمية الموضوع في ظل الحاجة الملحة لتنظيم الأسواق المالية وحماية أموال المستثمرين، خاصة مع تعرضها لتقلبات مفاجئة تؤثر على الاستقرار الاقتصادي. ويسد البحث فراغًا فقهيًا كبيرًا، إذ يعد من أوائل الدراسات التي تعالج هذا المفهوم الحديث بتكييف فقهي مستنير، مقارنًا إياه بمفاهيم تقليدية كالمحتسب والوكيل والمضارب، مع توضيح أوجه الاتفاق والاختلاف بينها. وتناول البحث أربعة محاور رئيسة، هي: تعريف صانع السوق وأدواره، والتكييف الفقهي له، والضوابط الشرعية لعملياته، وتحليل الأحكام الفقهية لقراراته كالبيع على المكشوف وبيع ما لا يملك. وخلص البحث إلى ضرورة التزام صانع السوق بضوابط شرعية صارمة، مثل تجنب البيوع المحرمة (كالغش والاحتكار)، واعتماد بدائل إسلامية كعقود السلم والصناديق الوقفية. كما أوصى بتعزيز الدراسات الفقهية المعاصرة وتفعيل الرقابة الشرعية لضمان توافق الممارسات المالية مع مقاصد الشريعة، مؤكدًا على دور صانع السوق في تحقيق التوازن الاقتصادي دون مخالفة الأحكام الإسلامية. وأما البحث الأول فعنوانه: «دور الفتوى في تعزيز الانتماء الوطني والشعور بالهوية: دراسة تحليلية»، ويتناول هذا البحث مشكلة تراجع الشعور بالانتماء الوطني في السياق المعاصر، ودور الفتوى في معالجتها من خلال نشر الفكر الوسطي وتصحيح المفاهيم المغلوطة. كما يناقش تأثير الفتاوى الشاذة، والعولمة، والتيارات الفكرية المتطرفة على الهوية الوطنية، مع إبراز أهمية الفتوى المؤسسية في توجيه الخطاب الديني نحو تعزيز الاستقرار المجتمعي. ويعتمد البحث منهجًا تحليليًا ونقديًا يسلط الضوء على آليات استثمار الفتوى في دعم قيم الولاء والانتماء. وقد خلص البحث إلى أن الفتوى يمكن أن تكون أداة فاعلة في ترسيخ الهوية الوطنية، إذا استندت إلى منهجية علمية واعية تراعي التحديات الراهنة. وأوصى بضرورة تطوير الخطاب الإفتائي بما يتناسب مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية، وتعزيز التنسيق بين المؤسسات الدينية والمجتمعية لمواجهة التأثيرات السلبية للعولمة والتطرف الفكري. كما شدد على أهمية تكثيف الدراسات التي تعالج قضايا الانتماء والهوية من منظور علمي متوازن. وأخيرًا، فإن مجلة دار الإفتاء المصرية تسعى من خلال أعدادها المتجددة إلى تقديم بحوث علمية رصينة تعالج القضايا الفقهية وفق منهج أكاديمي دقيق، يجمع بين التأصيل الشرعي والاستجابة للتحديات المعاصرة. وإذ يتضمن هذا العدد مجموعة من الأبحاث المتميزة التي تتناول موضوعات فقهية متنوعة، فإننا نأمل أن تسهم في إثراء الفكر الفقهي، وتعزز من وعي الباحثين وطلاب العلم بقضايا الاجتهاد الفقهي المنضبط، وتقدم رؤى شرعية مستنيرة قادرة على استيعاب المتغيرات المعاصرة في ضوء مقاصد الشريعة. ونسأل الله تعالى أن يجعل هذه الجهود العلمية خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفع بها الأمة، ويعين أهل العلم والباحثين على مواصلة مسيرة البحث الفقهي الرشيد، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أ. د / نظير محمد محمد عياد مفتي جمهورية مصر العربية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الافتاء في العالم  

DOI

10.21608/dftaa.2025.422575

Authors

First Name

أ. د / نظير محمد محمد

Last Name

عياد

MiddleName

-

Affiliation

مفتي جمهورية مصر العربية

Email

-

City

-

Orcid

-

Volume

17

Article Issue

61

Related Issue

55113

Issue Date

2025-04-01

Receive Date

2025-04-15

Publish Date

2025-04-01

Page Start

3

Page End

8

Print ISSN

2636-4417

Online ISSN

2735-4784

Link

https://dftaa.journals.ekb.eg/article_422575.html

Detail API

http://journals.ekb.eg?_action=service&article_code=422575

Order

422,575

Type

أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول

Type Code

1,596

Publication Type

Journal

Publication Title

مجلة دار الإفتاء المصرية

Publication Link

https://dftaa.journals.ekb.eg/

MainTitle

كلمة العدد

Details

Type

Article

Created At

27 Apr 2025