في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة والصراعات المتزايدة في العديد من المناطق حول العالم، أصبح استخدام القوة المفرطة ظاهرة مقلقة تهدد الأمن والسلم الدوليين. فلطالما كانت القوة أداة أساسية في العلاقات الدولية، سواء في إطار الدفاع عن السيادة الوطنية أو في سياق النزاعات المسلحة. ومع ذلك، فإن الإفراط في استخدامها قد يؤدي إلى انتهاكات خطيرة للقوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين وحقوق الإنسان. ويشير مصطلح "القوة المفرطة" إلى الاستخدام غير المتناسب للقوة من قبل الدول أو الفاعلين غير الحكوميين، سواء في النزاعات المسلحة أو في التعامل مع التظاهرات والاحتجاجات المدنية. وقد شهد العالم العديد من الأمثلة التي تجسد هذه الظاهرة، مثل الاستخدام المفرط للقوة من قبل بعض الحكومات في مواجهة الاحتجاجات السلمية، أو التصعيد العسكري غير المبرر في بعض النزاعات[1].
ولقد شهد العالم في العقود الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في استخدام القوة المفرطة من قبل بعض الدول والجماعات المسلحة، ما أدى إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتزايد الأزمات الإنسانية. وفي مواجهة هذه التحديات، برز دور المجتمع الدولي كفاعل رئيسي في محاولة الحد من هذه الانتهاكات عبر وضع أطر قانونية واتفاقيات دولية تهدف إلى ضبط استخدام القوة وتقييدها ضمن معايير تضمن حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون. وعلى مر العقود، سعت المنظومة الدولية إلى وضع أطر قانونية تحكم استخدام القوة، وذلك عبر مجموعة من الاتفاقيات الدولية مثل ميثاق الأمم المتحدة، الذي يضع قيودًا صارمة على استخدام القوة في العلاقات الدولية، واتفاقيات جنيف التي تحمي المدنيين في أوقات الحرب. كما تلعب المنظمات الدولية، مثل مجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية، دورًا مهمًا في مساءلة الدول والجماعات المسلحة التي تنتهك هذه القوانين[2].
[1] أحمد، أبو الوفا. 2015. حق اللجوء بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي للاجئين. دراسة مقارنة الطبعة الأولى. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. الرياض.
[2] النوري، سيد على. 2016. اثر القوة في العلاقات الدولية: المتغيرات السياسية المعاصرة في منطقة الشرق الاوسط. مجلة السياسة الدولية، المجلد 44، العدد 181.