يهدف هذا البحث إلى دراسة بعض الأنماط التركيبية للتعبير الاصطلاحي، ورصد درجات التكلس فيه، ومستويات المرونة التي تقع في عنصر واحد أو أكثر من عناصره، والتعبير الاصطلاحي شكل من أشكال المتلازمات اللفظية في اللغة العربية، التي منها كذلك التعابير السياقية، والكلمات المركبة، وهو يشكل إحدى الوسائل التي تلجأ إليها اللغة لتنمية ثروتها اللفظية لتفي بمتطلبات التعبير عن منجزات الحضارة المتزايدة، والمقصود بالتعبير الاصطلاحي هنا نمط ثابت من التعابير، يختص بلغة بعينها، يتميز بالثبات، ويتكون من أكثر من كلمة، ولا يتضح معناه الكلي من تجميع معاني الكلمات المكونة له، مثل: زوبعة في فنجان.
وتمييز التعبير الاصطلاحي من غيره من التجمعات اللفظية الأخرى، يستلزم، من وجهة نظر بعض الباحثين، أن يكون تجمعا لفظيا مركبا من أكثر من كلمة، يشكل وحدة متكاملة، يمكن تأدية معناها الكلي بكلمة واحدة في الأغلب، أو بعبارة شارحة. وألا يكون معنى التعبير تحليليا، فلا تكون مكوناته محتفظة بمعناها المعجمي داخل التعبير، كما لا تحتفظ بدلالتها المجازية المعتادة منها، كما نلحظ في مثل: ضاق صدر (فلان): اغتم، اكتأب.
ولما كانت اللغة العربية لغة اشتقاقية تركزت الجهود البحثية في تناول عملية تكوين الكلمات من خلال الاشتقاق منصرفة عن عملية التركيب وما ينتج عنها من تعابير اصطلاحية وسياقية وكلمات مركبة، ولم تحظ هذه الأشكال اللغوية بقدر كاف من اهتمام الباحثين بما يكشف عن طبيعتها وحصر أنماطها وتصنيف معاجم لها، وهذا لا ينفي بالطبع أن ثمة بحوثا تأسيسية رائدة في هذا المجال البكر مهدت الطريق أمام الباحثين لتناول الموضوع من شتى جوانبه، وما تزال التعابير الاصطلاحية وغيرها من المتلازمات اللفظية في حاجة إلى فضل بحث ونظر.
أهمية البحث إذن تتمثل في قلة البحوث التي عنيت بالتعابير الاصطلاحية، لاسيما في اللغة العربية المعاصرة، فضلا عن ذلك، فإن دراسة التعابير الاصطلاحية تمثل، في شقها الدلالي، أهمية بالغة لمعالجة اللغة العربية آليا؛ فهذه التعابير تشكل صعوبة جمة لنظم الفهم الأوتوماتي؛ نظرا لاتساع نطاق العلاقات الدلالية والمقامية بين العناصر المكونة لها، وخضوعها في أغلب الحالات للإزاحة المجازية، كما أن لدراسة التعابير الاصطلاحية، من حيث تركيزها على آليات عملية "التركيب"، أهمية كبيرة للبحوث المتعلقة بتحديث المصطلحات وميكنتها؛ إذ يعد "التركيب" من أهم وسائل تكوين المصطلحات العربية.
أما بالنسبة لمادة البحث، فتتمثل في التعابير الاصطلاحية التي تم استقراؤها من "المعجم العربي الأساسي"، وقد اخترنا هذا المعجم ليكون مصدر المادة المدروسة، لوفرة التعابير الاصطلاحية فيه، والتركيز على المستعمل منها في العربية المعاصرة، مع شرح معناها وبيان سياقات استعمالها (٤)، إلا أنها جاءت في هذا المعجم من غير تحديد أو فصل لها عن الأشكال الأخرى التي تتداخل معها كالتعبير السياقي والمثل والتشبيه والكناية والاستعارة، وغيرها من أشكال التضام.
النحوي والمعجمي. وبالإضافة إلى عينة التعبيرات التي استخرجناها من المعجم العربي الأساسي، اعتمدنا على قواعد البيانات المحوسبة للكتب والمعاجم وأرشيف جريدة الأهرام المصرية، عند بحث الخواص التركيبية لتعبير ما من خلال سلوكه في الاستعمال الفعلي.
وسوف نركز على تحليل أربعة أنواع من المركبات المركب الإضافي، والمركب الوصفي، المركب الاسمي، والمركب الفعلي.