الهمزة من أهم الظواهر اللغوية التي أُثير حولها جدل كبير وإشكالات متعددة في الدرس اللغوي لا سيما فيما يتعلق بالجانب الصَّرفي والصَّوتي؛ ربَّما يرجع سبب ذلك لِمَا لها من ارتباط قوي بالقراءات القرآنية, وكذلك التنوُّع في اللهجات العربية, والهمزة في نطقها بها صعوبة ومشقة؛ لأنَّها حرف قوي؛ لاتصافها بالجهر والشدة، بعيد مخرجها؛ فهي تخرج من أقصى الحلق؛ ولذلك لم يبقوها على أصلها وهو التحقيق، بل غيروها من أجل تخفيفها، حيث جرى أكثر العرب على تخفيف النطق بها؛ وذلك بتسهيل الهمزة أو إبدالها أو إسقاطها أو نقلها، وقد اختلف العرب قديماً وحديثاً في نطق الهمزة, فنرى أنَّ بعضهم حققَّها والبعض الآخر خففَّها, وأيضًا اختلفوا في كيفية كتابتها فبعضهم كتبها ألفًا في جميع أحوالها, وهم مَنْ قالوا بتحقيقها, وأمَّا مَنْ قالوا بتخفيفها فقد جعلوها في الكتابة مرة ألفًا وأخرى واوا أو ياء, وأمَّا المحدثون: فلم يكن اهتمامهم بدراسة الهمزة أقل من اهتمام القدامى, فقد اعتنوا بها بشكل كبير, وجعلوا البحث فيها يتعدى الظواهر اللُّغوية الصرفيَّة والصوتية، ولقد مثَّلتْ القراءات القرآنيَّة (متواترة وشاذة) الأنموذج الأمثل لدراسة حرف الهمزة في كلمتين منفصلتين؛ وحيثُ تُعدّ القراءات القرآنية أهمّ وثيقة تراثيّة موثوقة، انتقلت عبر قرابة قرن و نصف من الزمن، ناقلة أنموذجا من اللهجات العربيّة التي زامنت نزول القرآن الكريم، وتهدف هذه الدراسة إلى بيان ماهيَّة حرف الهمزة عند علماء العربية, والاستفادة من جُهود القدماء والمحدثين من علماء العربيَّة ومُفسِّري القرآن الكريم في التوجيه الصرفيِّ الصوتيِّ للهمزتين المتفقتين والمختلفتين في الحركة في كلمتين منفصلتين في القراءات القرآنية, فهذه الدراسة إذن دراسة تحليليَّة تطبيقيَّة.