حظي مصطلح المفارقة باهتمام بالغ في حقل الدراسات اللغوية الحديثة؛ تقديرًا للدور الفاعل الذي تقوم به المفارقة في إثارة المتلقي، وإعمال ذهنه، مما يحفز دوره في إنتاج الدلالة، وقد وقع اختياري على شعر (أبي الحسن الحصري) تحديدًا؛ لأنه شاعر متميز عُرف ببراعته في الشعر، وشهد له بذلك الداني والقاصي، وقد تجلت تقنيات المفارقة في شعره نتيجة لما تضافرت عليه من ظروف صعبة بدءا من عاهة عماه، ومرورًا بموت أبيه ثم اغترابه وغدر زوجته به، وانتهاءً بموت ابنه (عبد الغني)، مما كان له أبلغ الأثر في رسم معالم شخصيته وتجسيد كل ذلك في شعره الذي يعد ترجمان مشاعره ومكنون نفسه، مما جعل المفارقة ماثلة في شعره بكل وضوح، من هنا جاء اختياري موضوع (المفارقة وتجلياتها في شعر أبي الحسن الحُصْري القَيرواني)؛ حيث تجلت في أشعاره تقنية المفارقة مازجة بين المعنى الظاهر غير المقصود، والمعنى الكامن وراءه والذي قصده الشاعر مُعوِّلا على ذكاء المتلقي في البحث عنه، فجاءت الازدواجية المعنوية لألفاظه صورة للازدواجية التي يعيشها الشاعر بين ظاهره ومكنونه النفسي، وقد اعتمدت هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي الذي يقوم بتتبع الظاهرة ورصدها والوقوف عليها بالشرح والتحليل، كما استفادت الدراسة أيضا من المنهج النفسي؛ حيث إن المفارقة في الأصل تقوم على البعد النفسي، وقد حاولتْ هذه الدراسة رصد أبرز مواطن المفارقة لدى الشاعر، وأنواعها من مفارقة لفظية، وتصويرية، وإيقاعية، ومفارقة الأحوال، وربط ذلك كله بوجدان الشاعر ومكنونه النفسي.