في البداية، كان اللسان العربي فطريًا سليمًا من أي لحن أو خطأ، حيث كانت الفصاحة تسري في طبائع العرب كالنهر في مجراه واستمر هذا الصفاء حتى بزغ نور الرسالة المحمدية في الجزيرة العربية، التي شكلت نقطة تحول في تاريخ العرب ومع انتشار الإسلام واتساع رقعة الدولة الإسلامية، بدأ التفاعل بين العرب وغيرهم من الأمم، مما أدى إلى اختلاط اللغات وظهور بعض مظاهر اللحن والانحراف عن القواعد الصحيحة.وأمام هذا الواقع الجديد، أدرك العلماء ضرورة وضع نظام يحفظ اللغة العربية من الضياع ويضمن استمراريتها في التعبير عن معاني الدين والدنيا فانطلقت جهود جبارة لوضع علم النحو، الذي جاء استجابة لمجموعة من الأسباب والدوافع، منها الحاجة إلى فهم النصوص الشرعية بدقة، وحماية هوية الأمة الثقافية، وضمان وحدة اللغة بين العرب والمسلمين.
تتمثل مشكلة البحث في الجدلية التي أثارتها نظرية العامل في النحو العربي عبر العصور، حيث كانت هذه النظرية حجر الأساس في بناء علم النحو وضبط اللغة العربية، إلا أنها تعرضت منذ نشأتها إلى انتقادات عديدة قديماً، رأى بعض العلماء أن النظرية تتسم بالتعقيد وتفتقر أحياناً إلى الوضوح في تفسير الظواهر النحوية، مما أدى إلى ظهور مدارس فكرية نحوية مختلفة. وفي العصر الحديث، أصبحت النظرية محط تساؤل لدى الباحثين في ظل التطورات اللغوية المعاصرة، حيث يعتبر البعض أنها تقيد اللغة في إطار تقليدي بعيد عن المرونة المطلوبة لمواكبة الدراسات اللغوية الحديثة ومن هنا تبرز إشكالية البحث في التساؤل مامدى كفاءة نظرية العامل في تفسير الظواهر النحوية بشكل شامل ودقيق ؟ ، ومدى قدرتها على الصمود أمام الانتقادات قديماً وحديثاً؟