شكلت الأوقاف عبر التاريخ الإسلامي أحد المصادر الأساس لمواجهة حاجات المجتمع في الدولة الإسلامية، وذلك من خلال مجموعة من الأنشطة والمؤسسات التي أنشأها القادرون من أفراده. وقد أدى هذا الأمر إلى تقليل الفجوة بين طبقات المجتمع وقام على تغذية العلاقات التراحمية بين مكوناته. ولم يقتصر ذلك العمل الخيري على الرجال وحدهم، بل شاركت المرأة المسلمة في هذا الجهد المجتمعي الطوعي، وكان مرد ذلك الاستقلالية التي تمتعت بها من الناحية المالية.
ولم تنقطع تلك المساهمة الحضارية من جانب المرأة المسلمة عبر التاريخ الإسلامي في مراحله المختلفة حتى تجلت في صورتها الأبرز في عهد الدولة العثمانية، ولم تنقطع تلك المشاركة حتى بدايات القرن العشرين.
وقد تنوعت أوجه الإنفاق فشملت بناء المساجد والجوامع والأسبلة والمدارس والمعاهد العلمية في شتى المدن العثمانية تدفعهن في ذلك الرغبة في تحقيق المقاصد الشرعية للصدقات من إعمار الأرض.
وسوف نحاول في هذا البحث إلقاء الضوء على الدور الذي لعبته أوقاف النساء العثمانيات من خلال الوقوف على عدد من تلك الأوقاف في مدنيتي استانبول والقاهرة وبيان ما قامت به تلك الأوقاف من صبغ المجتمع بالصبغة الإسلامية من خلال إبراز الهوية وبناء المعرفة الإسلامية ونجاح تلك الأوقاف في تحقيق تلك المساعي التي امتد أثرها لسنوات عديدة.
ولعل مثل هذه الدراسة قد تسهم في إلقاء مزيد من الضوء على إحدى الصور الناصعة من جهود المجتمع الأهلي في عهد الدولة العثمانية، ويرفع عن كاهل الشريعة والتاريخ الإسلامي -وخاصة في فترته العثمانية- ما أريد له أن يصير إحدى مسلماته وهو أن المرأة المسلمة كانت تعاني من التمييز والتهميش ولم تشارك بصورة ايجابية فعالة في بناء ونهضة مجتمعها المسلم الذي كانت تعيش فيه.