الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لولاه ما جرى قلم، ولا تكلم لسان، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، وتناهى إحسانك، صدق وعدك، وبر قسمك، وعمت فواضلك، وتمت نوافلك، يا رب لك الحمد على ترادف نعمائك، وتتابع آلائك، لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدًا عبدك ورسولك.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاةً تنير لنا السطور، وتشرح لنا الصدور ، عسانا أن ندرك بذلك تجارة لن تبور، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره وسار على نهجه، وارضَ اللهم عنا معهم برحمتك، إنك يا ربنا رحيم ودود.
أما بعد:
فلقد أرسل الله إلى الناس رسلًا يهدونهم إلى الصراط المستقيم، والدين القويم، وختمهم الله بختامهم سيدنا محمد - صلوات الله وسلامه عليه- فبلَّغ رسالة ربه أحسن ما يكون البلاغ، وأدى أمانة الدين أحسن ما يكون الأداء، ثم حمل الأمانة من بعده رجال اصطفاهم الله، واختارهم لتبليغ دينه، ووراثة نبيه الخاتم وظلت هذه السلسلة تتواصل إلى يومنا هذا، وإلى أن يشاء الله تعالى.
ولمرويات آل البيت في صحيح الإمام بن خزيمة والمتوفى (سنة 311ه - 924م) أثرها في الدعوة الإسلامية ويظهر ذلك من خلال الأحاديث الدالة على الترغيب في الفضائل ومكارم الأخلاق وكذلك المرويات المتعلقة بالعقائد وضبط السلوك وكذلك المتعلقة بالعبادات والمعاملات والأحوال الشخصية ، وكان لمرويات آل البيت رضي الله عنهم الدور الأساس في مجال حفظ السنَّة وتمحيصها وتنقيتها ونشرها من نحو أول، وفي مجال التصدِّي للانحرافات والبدع من نحوٍ ثانٍ وفي دعوة الناس إلى الإسلام من نحو ثالثٍ عبر مواقف وأحداث تحدث أثرها الدعوي في دعوة المسلمين إلى أخلاق الإسلام وتعاليمه وعباداته وقيمه ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام ، وأن هذه المرويات لآل البيت جاءت متنوعة في أبواب الشريعة.
وانطلاقا من مثل هذه النصوص تسابقت همم الناس إلى دراسة الإسلام، وتسارعت نفوسهم إلى تعليمه، فبذلوا في طلبه كل غالٍ ونفيسٍ، وثنوا الرُّكَبَ في مجالس العلم وأسندوها إلى ركب أهل العلم، ولجأوا إلى السفر وتركِ الأوطان والأحباب في تحصيله، مع ما تحملوا في طلبه من التعب والسهر، والجوع والعطش، وسهُل عليهم ذلك كله طمعاً فيما عند الله من الثواب والخير الكثير الذي يمنّ الله به على من يشاء من عباده.
فبرز أئمة أجلاء وعلماء أصفياء، خدموا هذا العلم، فهم كالنجوم يُهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، وارتفع ذكرهم، وعلا شأنهم، وما زالت أسماؤهم تذكر بالخير وتشكر؛ فجزاهم الله عنا وعن المسلمين خيراً، ونوّر عليهم قبورهم، وأسكنهم فسيح جناته إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولمّا كانت الرسالة الإسلامية الغرّاء التي اُرسل بها خاتم الأنبياء والمرسلين نبيّنا الأكرم محمّد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، خاتمة الرسالات العالمية، بمعنى أن الإقليمية والمحلّية قد تضاءلت بهذه الرسالة العالمية الأبدية، كما أفرز ذلك القرآن الكريم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}( ) مما يستدعي أن تتوفّر على الأُطروحة المتكاملة التي تجعل لها قابلية الاستمرار والدوام بغضّ النظر عن الأُطر الجغرافية الضيّقة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}( ).
ومن أهم مقوّمات نجاح هذه الأُطروحة ودوامها، توفّرها على عناصر القوّة الفذّة لقادتها الربّانيين.
فمَن هم القادة الذين شكّلوا هيكلية متعاضدة ذات منظومة فكرية موحّدة لإرساء قواعد رسالة الإسلام، وإدامة بنائه ورعايته والحفاظ على مكتسباته، بحيث يكمّل بعضهم دور الآخر من دون تعارض ولا تناقض؟ بل لتحقيق الأهداف الأخلاقية السامية بعيداً عن الأنانيات والإثرة والمحسوبية.
ولا شكّ في أن لأهل البيت رضي الله عنهم دوراً بارزًا في توعية المسلمين وحفظ يقظتهم في الحياة العامّة للمسلمين، ويتجلّى هذا الدور في موارد كثيرة جدّاً أسهمت في تحقيق المعنى المذكور، وبيانها لا تستوعبه هذه الوريقات.