الحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِه وسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
وبعد ؛ فسيظل الشعر العربي المعاصر في حاجة ماسَّة إلى دراسات تحاول أن تتلمس حركته من الداخل ، وقد شغلت الصورة الفنية تفكير النقاد ؛ لذا انتشر هذا المصطلح في كثير مِن مُؤَلَّفَاتِهِمْ .
وغيرُ خَافٍ أَنَّ للصورة الفَنِّيَّة دورًا مُهِمًّا في إثراء التذوق الفني وتنميته لدى المتلقي ؛ حيث تُكَوِّنُ فِكْرَهُ الفنيّ والثقافيّ والجماليّ .
بلغ عدد أبيات الإلياذة الإسلامية لأحمد مُحَرَّم ما يربو على خمسة آلاف بيت ، وتُعَدُّ عملاً شعريًّا ضخمًا ، سَخَّرَ له الشاعرُ شطرًا كبيرًا من عُمْرِه ، ودَمَجَ فيه ثقافته الإسلامية مِمَّا جعله كشعراء الإسلام الأَوَّلِينَ ، مثل : عبد الله بن رَوَاحة ، وحَسَّان بن ثابت وغيرهم .
فقد دَرَسَ أحمد مُحَرَّم جهاد الرسول (ﷺ) ، وأحداث الدعوة ، والهجرة ، والغزوات ، ونَظَمَ فيها عشرات القصائد والمقطوعات على اختلاف الأوزان والقوافي ، وسَمَّاها بـ(الإلياذة الإسلامية) ، وقد عَدَّهَا بعضُ دارسي الأدب من الشعر الملحميّ .
والملحمة الإسلامية التي أبدعها أحمد مُحَرَّم عرض فني شعري لسيرة النبي (ﷺ) منذ أن دعا الناس إلى الإسلام ، وحتى وفاته ، وتُعَدُّ سابقة في الأدب العربي أن يصل شاعر إلى هذا العدد من الأبيات التي تعرض موضوعًا واحدًا أو حقبة زمنية مُعَيَّنَة .
وقد تحدث أحمد مُحَرَّم في (الإلياذة الإسلامية) أولاً عن بَدْء الوحي ، والدعوة في مكة ، ثم الهجرة إلى المدينة ، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، والمعاهدات مع اليهود ، وموقف المنافقين ، ثم تحدث بعد ذلك عن الغزوات وأحداثها في بقية الجزء الأول والثاني والثالث .
والملاحظ أن الشاعر أحمد مُحَرَّم – على الرغم من فحولته الشعريَّة – لم يكن وافر الحظ كإخوانه حافظ إبراهيم وأحمد شوقي وغيرهم من ناحية الاهتمام بدراسة شعره .
ولذلك تحاولُ هذه الدراسة إيفاء ذلك الشاعر الجليل حَقّه من الدرس ، وتسعى لدراسة التشبيه في ديوان (مجد الإسلام) المعروف باسم (الإلياذة الإسلامية) .
ومن الملاحظ في ديوان مجد الإسلام اعتماد أحمد مُحَرَّم على الوحدة الموضوعية في قصائده ، وهذا لِزَامٌ عليه حسب موضوع الإلياذة الإسلامية : السيرة النبوية الشريفة ، لكنه برع في التأليف بين الأحداث وربطها ، والتخلُّص من أحدها إلى الآخر في يسر وسهولة ، وذلك داخل الحادثة الواحدة ، لكنه لم يربط الأحداث كلها في ديوانه ؛ فلغزوة بدر مثلاً قصيدة خاصة بروِيٍّ خاصّ ، ثم ينتقل إلى ما يليها برويٍّ جديد ، أو بالروي نفسه أحيانًا ، لكن يمكن القول إن أحمد مُحَرَّم قد عمد إلى ذلك لتكون على النسق الذى رُوِيَتْ به السيرة نفسها ؛ فقد رُوِيَت مُنَجَّمَة ، وهي بذلك أيسر للباحث الذى يعمد إلى حدث منها بعينه ، ثم هي - في النهاية - مترابطة – وَإِنْ فُصِلَ بينها في الظاهر – فهي تتحدث عن شخص واحد ، وتتناول رسالةً محددة ، ولها هدف واحد .
وتناول تمهيد هذا البحث : نشأة أحمد مُحَرَّم ، وبيئة أحمد مُحَرَّم ، والمنزلة الشعرية لأحْمَد مُحَرَّم بين معاصريه ، وآثار أَحْمَد مُحَرَّم الأَدَبِيَّة ، ومفهوم الصورة في النقد الأدبي القديم والحديث .
وسيتم الاتكاء في الدراسة على المنهجين : التاريخيّ والفنيّ .