لم تكن الحياة البلدية (la vie munipale) بمدن موريطانيا الطنجية سوى آلية من آليات سياسة الرومنة، فبعد إرساء الآلية الأولى المتمثلة في الرومنة القانونية -إحداث وضعيات قانونية جديدة لم تكن معروفة بالمجال المذكور: مستوطنات، بلديات ومدن أجنبية-، عمدت روما إلى نقل تجربتها البلدية التي ظهرت خلال العهد الجمهوري بالأراضي الإيطالية إلى المجال المغربي القديم انطلاقا من نهاية العهد الجمهوري وطيلة القرون الثلاثة الأولى للميلاد. ولتحقيق هذا الهدف ارتكزت السلطات الرومانية على نظام بلدي مركزي، وقوانين بلدية متنوعة، ونخبة محلية ضاغطة تشكلت من مختلف العائلات المترومنة، ومناصب بلدية متنوعة ومستحدثة، وغيرها من الركائز الأساسية التي ساعدت على تحقيق الرومنة البلدية، بعبارة أدق انصهار الساكنة المحلية للمدن في منظومة الحياة الرومانية بكل تجلياتها. وقد تبين أن الآثار الرومانية واضحة على مناحي الحياة البلدية المختلفة لمدن موريطانيا الطنجية. وقد اتخذت هذه التأثيرات، التي هي في حقيقتها رومنة واضحة، أبعادًا سياسية واقتصادية، واجتماعية، ودينية، وثقافية. فرغم استمرار اللغتين البونية والبونية الجديدة في التداول على المستوى الشعبي فيما يبدو بهذه المدن، إلا أن اللغة اللاتينية وجدت مكانًا لها ضمن فئات عريضة من المجتمعات المحلية للمدن، وهو الأمر الذي سهل عملية الإسراع في مسلسل الرومنة في الميادين المختلفة.
 
الاستشهاد المرجعي بالمقال:        
هشام ابوركــ، "الحياة البلدية لمدن موريطانيا الطنجية: مظهر من مظاهر الرومنة".- دورية كان التاريخية.- السنة الثامنة عشرة- العدد السابع والستون؛ مارس 2025. ص  14 – 24.