الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ؛ لا يخفى على دارسي البلاغة أهمية عِلْم البديع ، وهي لا تقتصر على كونه فنًّا يَخْلُقُ إيقاعًا في اللفظ ، وجمالاً في المعنى فحسب ، وإنما تَكْمُنُ أهميته في كونه أُسْلُوبًا من أساليب التعبير ، يُسْهِمُ في خلق المعنى واكتماله ، ويُوقِعُ في نفس السامع الغِبْطَة ، ولا سِيَّمَا عِنْدَما يَأْتِي طَوَاعِيَّةً مِنْ دُون تكلُّف .
والبديع ضَرْبَانِ : ضَرْبٌ يَرْجِعُ إلى اللفظ ، ومنه : الجناس ، والسجع ، رَدّ العَجْزِ على الصَّدْرِ ، والتصريع ، ولزوم ما لا يلزم ، والموازنة ، والضرب الآخر : يرجع إلى المعنى ، ومنه : الطباق ، والمقابلة ، والإرصاد ، وتأكيد المدح بما يُشْبِهُ الذَّم ، ومراعاة النظير .
تُعد المحسنات البديعية اللفظية من الآليات الفنية التي يستعين بها المُبْدِعُ للتعبير عَمَّا يحسه بأسلوب فني أنيق ، وذوق رفيع ، يؤثر في النفس ، ومن المُحَسِّنات اللفظيَّة الجناس .
ويمنحُ المجازُ الكلامَ قيمًا دلالية بما يُضيفه إلى النسق اللغويّ من انسجامٍ ، وتآلُف في البنية الصوتية ؛ فيُثري المعنى ، ويُغني الصياغة اللغوية ، إنَّه ليس تلاعبًا بالألفاظ ، أو مهارة في صياغة الجمل والعبارات ، وإنَّما هو أسلوب فنّي في التعبير ، يُضيف إلى الفكرة ، ويسمو بجمال العبارة .
ولقد شغل الجناسُ بوصفه مُحسِّنًا بديعيًّا لفظيًّا اهتمام عُلماء البلاغة ؛ لما يضيفه من جَرْس موسيقي عذب تستسيغه الأذن وتطرب لسماعه ؛ فالنفس تتشوق إلى سماع اللفظة الواحدة إذا كانت بمعنيين مختلفين ، وللجناس وقع في النفوس وفائدة ؛ لذا قسَّمُوه إلى أنواعٍ شتَّى .
يتناول هذا البحث (الجناس في شعر المديح النبوي عند ابن مليك الحموي) .
ويُثْبِتُ أنَّ الجناس - عنده - ليس حِلْيَةً ولا زينة شكليَّة ، ولا عَرَضًا يُمْكِنُ الاستغناءُ عنه ، بل إن المعنى يختلّ بزواله