الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صَلِّ وسَلِّم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الهداة المهدين والتابعين لهم من العدول الموثقين، ومن سار على دربهم إلى يوم الدين، وبعد:
ففي عصرنا هذا دأب بعض الناس جهـلا أو تقليـدا لمـن سـلب الهـوى عقـولهم عـلى النيـل مـن أصحاب رسول الله ﷺ الـذين آمنـوا بـه، وتـشرفوا بـصحبته، وآزروه ونصروه، وساهموا معه بكل بذل وسخاء في بناء حضارة هذه الأمة ومجدها وتاريخها الـذي تفخر به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فلولا هؤلاء الأخيار بعد مشيئة الله تعـالى مـا انتـصر الإسـلام، ومـا انتشر في بقاع الأرض وما شع نوره في الآفاق، فاهتدت به أمم وأقوام على اختلاق ألـسنتها وألوانها وأعراقها، فسعدت به وسـادت عـلى مـن سـواها، فاسـتحقوا بـذلك وبغـيره مـن الأعمال الجليلة ثناء الله ﷻ عليهم، وثوابه لهم في كثير من آيات القرآن الكريم، ومن ذلك:
قوله تعالى : (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهـار خالـدين فيهـا أبـدًا ذلـك الفوز العظيم) ( ). كما استحقوا ثناء النبيﷺعليهم، وإشادته بهم، وتفضيله لهـم عـلى من سواهم بأحاديث كثيرة منها :
قولـه عليـه ﷺ :«خـير النــاس قـرني، ثــم الـذين يلــونهم ثــم الـذين يلونهم ...الحديث»( ). وقوله: «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفـق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»( ).
ومع ثناء الله تعالى عليهم ورضائه عنهم، وإشادة النبي بهـم، وتفضيله لهم على من سواهم من أبناء هذه الأمـة، فقـد تناولتهم ألـسنة مـوزورة، وأقـلام مأجورة، ركزت على عدد منهم من السابقين الأولين وغيرهم فقولتهم ما لم يقولوه، ونسبت إليه ما لم يفعلوه، وافترت عليهم ما هم منـه بـراء ،غـير عابئة بآيات القرآن الكريم المذكية لهم، والمترضية عنهم، وأحاديث الرسول ﷺ الصحيحة المشيدة بفضلهم، معتمدة في ذلـك عـلى روايـات تاريخيـة دسـها المتظاهرون بالإسلام من أعدائه، وعملت الأهواء على تضخيمها حتى أصبحت حقـائق أو كالحقائق عند أهلها، مع أنها لا أصل لها في الواقع، وإنما هي تخيلات وأوهـام، نتجـت عـن أفهام سقيمة، واستنتاجات خاطئة.