تُعتبر الطفولة مرحلة أساسية مهمة في حياة الإنسان، فهي بمثابة الوعاء الأساسي لبناء وتحديد المعالم الأساسية لشخصية الطفل. وإعلام الطفل وإن كان يتوجه بالدرجة الأولى إلى الطفل إلا أنه في الوقت ذاته يتوجه للآخرين وخاصة الوالدين حيث يشارك الكبار الصغار برامجهم، وصحفهم، وكتبهم من خلال القصة والحوار والمعالجة والمواقف والمشاهد وغيرها من تقنيات الأعمال المسموعة والمرئية والمكتوبة، وتتجسد المسائل المتصلة بالتربية والتوجيه والإرشاد، فيتعلم الطفل القيم والأخلاق الفاضلة، وتزداد معارفه وتتفتح مداركه وتتحسن لغته ويتسع خياله بما ينمي قدراته الذهنية والإبداعية.
ومن الجدير بالملاحظة أن من أكبر قطاعات الجمهور المتابعة لوسائل الإعلام وخاصة المرئية، سواء التليفزيون أو السينما، هم الأطفال وصغار السن، وهذا لا يحتاج منا إلى إحصائيات تؤيد ذلك وتدعمه بقدر احتياجاتنا إلى قراءة واقع بيوتنا لنتأكد من ذلك. فلقد أصبحت وسائل الإعلام المختلفة تربي مع الأسر، وتأثيرها يفوق تأثير الأسرة كثيراً، وكذلك لا يقل دورها في التعليم عن دور المدرسة. لذلك من الأهمية بمكان إيلاء أخلاقيات إعلام الطفل مزيداً من الاهتمام، باعتبار أن ذلك حق من حقوق الطفل التي لا تقل عن حقه في التعليم والعلاج.
كما أن أخلاقيات إعلام الطفل لا تعني فقط الفحص والتدقيق فيما يقدم للطفل، ولكنها تعني كذلك استخدام الطفل في المادة المقدمة وطريقة إشراكه فيها، وهذا لا يقل في تأثيره عن المادة المقدمة، لأن المشاركة تعني في صناعة الرسالة والرضا في التناول، كما أنه يشجع غيره من الأطفال على التقمص الوجداني والمحاكاة ووضع أنفسهم في مكانه.
والمتابع للكثير من وسائل الإعلام العربية يجد أنها في الغالب تقدم الطفل بصورة سلبية، وإن شئت الدقة، تسيء استغلاله إعلاميا. فهو الضحية عند الحديث عن المجاعات في الدول الفقيرة، وهو الذي يحترف التسول في الدول التي ينتشر فيها أطفال الشوارع، وهو المريض عند حث الغير على التبرع لبناء المستشفيات، وهو الضحية عند الحديث عن المشكلات الأسرية، وهو العامل في الورش الصناعية عندما تحتاج الأسرة إلى من يعيلها أو يساعد في إعالتها، وهنا يتم تكريس صورة سلبية عن الطفل بعيداً عن وجود الطفل المبدع أو النموذج الإيجابي كما أكدت دراسة ([1])(Fernando,T., et.al., (2015) على نموذج تمكين الطفل، ونموذج الطفل الضعيف، وينص نموذج تمكين الطفل على أنه ينبغي النظر إلى الأطفال على أنهم مستهلكون ماهرون وقادرون على القيام بذلك بشكل حاسم، بينما يشير نموذج الطفل الضعيف إلى أن الأطفال يفتقرون إلى المهارات المعرفية لحماية أنفسهم من الرسائل الإعلانية. وأن التأثيرات الإعلانية غير المقصودة تركز على ثلاثة متغيرات تابعة: المادية، والصراع بين الوالدين والطفل، والتعاسة.
ولأن للعمل الإعلامي أخلاقيات عند التعامل مع الجمهور بصفة عامة ومع الأطفال على وجه الخصوص، لأنهم لم يبلغوا بعد السن القانونية التي تؤهلهم للتفرقة بين ما ينفعهم وما يضرهم، فقد أكدت بعض الاتفاقيات الدولية مجموعة من المبادئ في التعامل إعلامياً مع الطفل، وقامت منظمة "اليونيسيف" بتطويرها لتساعد الإعلاميين في كيفية التعاطي مع شؤون الأطفال إعلاميا.
وبذلك ينبغي احترام كرامة الأطفال، وحقهم في التعبير في جميع الأحوال، وحقهم في الخصوصية الشخصية، وهذا ما أكده "كود ضوابط وأخلاقيات الإعلام الآمن للطفل" الذي أصدره المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وكذلك استشارة أقرب الأشخاص للطفل حول ما يترتب على استخدامه إعلاميا وما يترتب على ذلك من تبعات سياسية واجتماعية وثقافية، والامتناع عن نشر أي قصة خبرية أو صورة تعرضه للخطر أو تنال منه، أو الطلب منهم القيام بشيء لا يمثل جزءا من إدراكه أو عالمه، أو التمييز بين الأطفال بسبب العرق أو الدين أو خلفيتهم التعليمية أو قدراتهم البدنية، وسوف يحاول الباحث تناول أخلاقيات الإعلام الموجه للطفل من خلال الوقوف على الاتجاهات الحديثة للدراسات العربية والأجنبية في الفترة من عام 2015م حتى عام 2022م من مختلف المدارس البحثية.