إن تتبع التفاعل بين الحضارة الفرعونية ونظيرتها اليونانية أمر مهم. هذا التفاعل يمكن رصده في التاريخ القديم من ثلاثة جوانب بحثية : مراكز الاتصال بين المصريين واليونانيين خلال النصف الثاني من الألفية الأولى قبل الميلاد؛ وأبرز الشخصيات التي نقلت المعرفة المصرية في العديد من المجالات المتنوعة للثقافة اليونانية؛ واخيرًا التفاعل بين الحضارتين وتطوره التاريخي حتى القرن الأول قبل الميلاد. وهذا الجانب الأخير هو ما تركز عليه هذه الدراسة المرتبط بالتطور التاريخي للعلاقات بين الحضارتين المصرية واليونانية. وتكمن أهمية هذا الموضوع في أنه يساعد في فهم مسار الحضارة الإنسانية وتطورها عبر التاريخ حيث مثلت الدولة الفرعونية حلقة أساسية في سلسلة هذا التطور، ولعلها كانت أهمها بسبب دورها التأسيسي والمبدئي في البناء البشري في العديد من فروع المعرفة الإنسانية، سواء في العلم أو الفنون أو الأدب، حيث تميزت الحضارة الفرعونية بما يمكن التعبير عنه بمفهوم الأصالة في المعرفة. لذلك، تتبعت هذه الدراسة تطور التفاعل بين الحضارتين المصرية واليونانية عبر العصور وصولًا للقرن الأول قبل الميلاد، مع التركيز على حالات محددة مثل كنز الطود المؤرخ بعصر الدولة الوسطى، واللوحة الجدارية مينوية الطابع في تل الضبعة والمؤرخة من بدايات الدولة الحديثة، ومناظر وفود الكفتيو على جدران مقابر الأفراد في الدولة الحديثة في طيبة. ثم تكثفت هذه العلاقات مع الدخول الكبير للمرتزقة والتجار والعلماء اليونانيين إلى مصر خلال العصر الصاوي وما تلاه.