تُعد مسألة التعامل مع العقل كمصدر للمعرفة من أبرز القضايا التي شغلت العلماء والمفكرين على مر العصور، وقد تباينت مناهج الفرق الإسلامية في هذا الشأن، وتناولها الباحثون في دراسات مستقلة، إلا أن هذا البحث يهدف إلى جمع هذه المناهج، وتناولها بشكل تفصيلي، حيث ركزت الدراسة على تحليل مختلف المناهج التي اتبعتها الفرق الإسلامية في التعامل مع العقل، ما بين من يقدمونه على النقل، ومن يقدمون النقل عليه، ومن يسعون إلى التوفيق بينهما. وسوف يتضح أمام القارئ، الحيثيات التي مر بها كل فريق في تبني آرائهم، والتحديات التي واجهتها في التوفيق بين هذين المصدرين، ويسهل عليه المقارنة بين أوجه الاستدلالات المختلفة، وبيان أوجه التقارب والتباين والتأثير المتبادل بينها، ومدى تأثرها بالتيارات الفكرية الخارجية مثل الفلسفة اليونانية.
وقد تناولت الدراسة بالتفصيل آراء المعتزلة الذين أولوا العقل أهمية قصوى، والفلاسفة الذين سعوا إلى التوفيق بين الفلسفة اليونانية والإسلام، والمنهج التوقيفي عند السلف، ومنهج الأشاعرة والماتريدية الذين سعوا إلى تحقيق توازن بين العقل والنقل، وبيّنت كيف أن كل مذهب قد وضع رؤية خاصة به لعلاقة العقل بالنقل في فهم الدين . خلصت الدراسة إلى أن الإجماع العام في الفكر الإسلامي هو على ضرورة التوازن بين العقل والنقل، وأن العقل هو أداة مساعدة لفهم النصوص الشرعية، ولكن ليس مصدراً مستقلاً للمعرفة. ومع ذلك، أظهرت الدراسة تنوعاً في تطبيقات هذا المبدأ بين المذاهب المختلفة.