طالما مثلت الصراعات الدولية مجالا خصبا للدراسة والتحليل، ورغم أنها ظاهرة قديمة قدم التجمعات الإنسانية إلا أن تنوع أشكالها وسياقاتها جعلها بمثابة نهر متجدد لا ينضب؛ فلا يلبث صراع أن يتوارى حتى يظهر صراع أكثر قوة على الساحة الدولية. أحد هذه الصراعات هو الصراع الروسي الأوكراني الذي مثل تحديا جديدا للعالم منذ اندلاعه عام 2022؛ إذ تعددت أبعاده وتنوعت مسبباته واتسعت دوائر تأثيره على الدول والمجتمعات. وانطلاقا من أهمية هذا الصراع وعمق تداعياته تأتي هذه الدراسة، في رحاب علم النفس السياسي، لتلقي الضوء على أحد أبعاده غير المادية وهو البعد النفسي، وتقدم رؤية نفس-سياسية للصراع الروسي الأوكراني الذي لعبت العوامل النفسية دورا غير مباشرا في تشكيل دوافعه واتخاذ قراراته وانتهاج سلوكياته.
وقد انقسمت الدراسة إلى قسمين رئيسيين أحدهما نظري والآخر تطبيقي. الأول قام برصد وتحليل كيفية تأثير العامل النفسي على ديناميات الصراع الدولي بصورة عامة سواء على مستوى القيادة أو الشعوب، والثاني حاول الوقوف على مدى مساهمة هذا العامل في فهم وتفسير الصراع الروسي الأوكراني. وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج منها أن الأبعاد النفسية للقيادة السياسية الروسية قد ألقت بظلالها على توجهات ومسارات الصراع، كما كان للبعد المجتمعي المتمثل في الذاكرة الجماعية والتوجهات العاطفية والوعي الصراعي الجمعي والنوستالجيا السياسية أدوارا لا تقل أهمية عنها، وخلصت الدراسة إلى أن فهم آليات تأثير البعد النفسي لم يعد من قبيل الرفاهية العلمية بل بات يمثل خطوة أولى نحو فهم كافة أبعاد الصراع وإحداث نوع من التكامل بين مسارات الحل.