جاء موضوع الدراسة متناولًا أنماط الآخر، وقد وقف البحث عند بعض النماذج المختارة من النثر العباسي مستنبطًا تشكلات الآخر، والآخر في النثر العباسي يشير إلى الشخص المختلف كليًا عن الذات، سواء كان ذلك من حيث الجنس أو العرق أو الديانة، فقد ظهرت أنماط الآخر في النثر العباسي في العديد من الكُتب والخطابات التي دُونت في تلك الفترة؛ فيمكن رؤية الآخر في شخصيات العبيد والمماليك والموالي في الرسائل والكتب؛ كما يمكن رؤية الآخر في شخصيات النساء، والأقليات الدينية، والشعوب الأخرى التي تعيش في المناطق الإسلامية الشاسعة آنذاك.
إن الآخر "السُلطة" يتجلى في الشخصية الحاكمة كفرد أو السلطة كجموع العباسيين، التي تمثّل جهة معينة، سواء أكانت سلطة سياسية أم اجتماعية أم دينية، ويتم استخدام هذا النوع من الآخر في النصوص النثرية؛ لإظهار التوازنات والصراعات بين القوى المختلفة في المجتمع، ويحاول الآخر السلطة دائمًا إبراز أحقية بني العباس بالخلافة دون غيرهم؛ مصدقًا لمبدأ الوراثة في الخلافة، وضرورة الحرب على بني أمية الظالمين المستبدين الذين أخذوا الخلافة بغير حق، ووعدهم للمسلمين بالحكم العادل على يد خلفاء العباسيين.
كما أن الآخر الأجنبي في النثر العباسي سواء أكان أديبًا أو مخاطبًا داخل بنية النص النثري ذا حضور فعال ومؤثر في أركان الدولة العباسية، لا يقل أهمية عن العنصر العربي، وإن علاقة الذات العباسية بالآخر الأجنبي تحكمها علاقات متشعبة ومتعددة الأبعاد، فهي تجمع بين العداء والصداقة، بين القوة والضعف، وبين الدين والتجارة.