فرضت التطورات العالمية التي طرأت على الحدث التاريخي والاجتماعي على العاملين بالحقل الوثائقي مجموعة من المتغيرات كان أهمها ضرورة الاهتمام بأنواع جديدة من التراث الوطني، والحاجة الماسة إلى بناء تراث وثائقي تظهر فيه العناصر المنسية في التاريخ، وتكمل الثغرات في الوثائق المكتوبة والمحفوظة في الأرشيف الوطني.
وتأتي دراسة وثائق المجالس العرفية التي نحن بصددها كإسهامٍ مهمٍ في بناء هذا التراث الوطني المصري؛ كونها تمثل أحد مكونات التمثيل الثقافي المصري للماضي والحاضر؛ حيث ترصد لنا المصادر التاريخية التواجد التاريخي للتقاضي العرفي، واحترام السلطات الحاكمة المتعاقبة للعادات والأحوال الجارية للبلدان، ويظهر ذلك جليًا في السياقات التاريخية للتشريعات والقوانين المصرية كما سنبين في التمهيد الخاص بالدراسة، وكذلك في رصد الدراسة لجهات منشأ الوثيقة العرفية في إحدى محافظات صعيد مصر الذي تترسخ فيه هذه الظاهرة منذ القدم وهى محافظة أسيوط، هذا إلى جانب أن دراسة مثل تلك النوعيات من الوثائق تمثل إضافة نوعية جديدة وفصلًا جديدًا لدراسة الوثائق العربية، وبالتبعية علم الدبلوماتيك العربي.
كما توفر لنا هذه الدراسة معلومات في غاية الأهمية والخصوصية عن طبيعة النزاعات وطرق حلها في مجتمع الدراسة.