والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فالدراسة الحالية تمثل فصلاً من فصول التنافس الدولي التاريخي على البحر الأحمر، وهو الشريان المائي الواصل بين تجارة جنوب شرق آسيا وأوروبا. ولم يكن من الغريب أن تسعى الدول الأوروبية إلى إيجاد مواطئ قدم عبر موانئه. وخلال القرن التاسع عشر الميلادي/ الثالث عشر الهجري، أخذ الصراع الفرنسي/ البريطاني منحنى آخر عندما أقدمت فرنسا بالحملة على مصر عام 1798م في إطار التنافس مع بريطانيا حول طرق التجارة والمواصلات العالمية. ولذلك أرسلت بريطانيا قوة بحرية للسيطرة على جزيرة بريم عند مدخل البحر الأحمر عام 1799م، سعياً منها لتطويق البحر الأحمر، ولمنع فرنسا من القفز من خلاله لسواحل اليمن والهند.
وعلى جانب آخر، أخذ التجار الأمريكيون يرسلون سفنهم إلى الموانئ اليمنية وخاصة ميناء مخا، حيث حصلوا على ثلاثة أرباع إجمالي محصول البن اليمني عام 1809. كما قامت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بعقد أول معاهدة مع سلطان مسقط وزنزبار سنة 1833م، ولقد أقبل سلطان مسقط على هذه المعاهدة بعد أن تبين له الفوائد الجمة التي ستعود عليه نتيجة لارتباطه مع التجار الأمريكيين وحكومتهم، وبعد أن أصبح لهم دور فعال في منافسة احتكار الإنجليز للتجارة الشرقية في المحيط الهندي والبحر الأحمر منذ أوائل القرن التاسع عشر.
ومع ظهور شخصية والي مصر محمد علي باشا، أخذ في دعم وجوده في البحر الأحمر، وهنا وجدت كل من بريطانيا وفرنسا أن الخلاف بين محمد علي والسلطان العثماني فرصة مواتية لفرض بنود تسوية لندن عليه عام 1840م، وذلك تمهيداً لإقصائه من المناطق التي سيطر عليها في البحر الأحمر.
ولقد وجه كل ذلك البريطانيين إلى ضرورة السيطرة على عدن للاستئثار بتجارة البن اليمني بعد تحويلها من مخا إلى ذلك الميناء، فضلاً عن احتكار الأسواق التجارية بمنطقة البحر الأحمر.
وتهدف الدراسة الحالية إلى إلقاء الضوء على الأهمية العالمية للبحر الأحمر، لتبيان مقدار القيمة المادية للدول المتشاطئة على سواحله، من خلال تتبع المنافسة الدولية للاستئثار بالتجارة عبر موانئ البحر الأحمر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي/ الثالث عشر الهجري. وخلال الدراسة الحالية سيتم تناول مجموعة من الموضوعات تتعلق بأهمية البحر الأحمر للتجارة العالمية، وإلقاء الضوء على تاريخ التنافس الدولي للسيطرة على تجارة البحر الأحمر منذ مطلع العصور الحديثة، كما سيتم تناول موضوع منافسة القوى العظمى خلال فترة الدراسة -بريطانيا وفرنسا- بجانب الولايات المتحدة الأمريكية، للسيطرة على تجارة البحر الأحمر. كما سيتم إلقاء الضوء على الدور المصري في البحر الأحمر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي/ الثالث عشر الهجري، مما ترتب عليه تأجيج المنافسة الدولية للسيطرة على البحر الأحمر. وذلك بالاستعانة بمجموعة من المصادر الأولية، والمراجع المتخصصة المتعلقة بموضوع الدراسة