استندت الأيديولوجية السياسية لإدارة رونالد ريجانRonald Reagan (1981-1989م) على فرضية الحفاظ على المصالح الوطنية للولايات المتحدة من خلال القوة والوجود العسكري؛ واتبعت أيديولوجية مكرسة لسياسة "ترميم" القوة الأمريكية، لتتمكن عبر القوة العسكرية من فرض إرادتها واستعادة وضعها كأمة عظمى في العالم، وأصبح جُل اهتمامها احتواء السوفييت في الشرق الأوسط، كما آمنت هذه الإدارة أن إسرائيل حليف قوي، وصممت على استبعاد سوريا، مخلب القط السوفيتي، من جهود السلام. ومن هذا المنظور العالمي لتنافس القوى العظمى، شهدت الحرب الأهلية اللبنانية خلال فترة ذروتها (1982-1984) انخراطًا لافتًا للولايات المتحدة،دبلوماسيًا وعسكريًا. وتحاول هذه الدراسة تناول تلك الفترة المهمة التي تسارعت فيها الأحداث على الساحة اللبنانية، والتدخل القوي من جانب الولايات المتحدة بداية من المساندة الأمريكية للاجتياج الإسرائيلي لجنوب لبنان في 6 يونيو عام 1982، والضغوط الأمريكية على الحكومة اللبنانية لعقد اتفاقية تضمن تطبيع العلاقات مع إسرائيل في مقابل انسحاب الأخيرة من لبنان، وسعي واشنطن إلى إحلال السلام من خلال استخدام القوة العسكرية، عن طريق إرسال القوات الأمريكية إلى لبنان مرتين. كانت المرة الأولى بهدف تأمين إخلاء منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في أغسطس 1982، والثانية في أعقاب المجازر في مخيمي صبرا وشاتيلا في الفترة من 16 إلى 18سبتمبر 1982، لتصبح الإدارة الأمريكية بتدخلها في لبنان متورطة في شؤونه الداخلية، معتبرة هذا التدخل بمثابة اختبار مبكر لقدرة الولايات المتحدة على إجراء عمليات لحفظ السلام، بالتوازي مع إبراز القوة الأمريكية في الشرق الأوسط، وحماية إسرائيل من التدخل الدولي، ولكن محصلة هذا التدخل كانت كارثية، ففي النهاية، اعُتبرت القوات الأمريكية مجرد طرف ناشط في الحرب، وليس قوة حفظ سلام محايدة، وانسحبت بحلول 17 فبراير 1984، دون أن تسفر سياستها هذه عن نتائج إيجابية للولايات المتحدة، بل أدى الدعم الأمريكي للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982م إلى أن يناصب السواد الأعظم من اللبنانيين الولايات المتحدة العداء، كما حالت سياسة الانحياز إلى النخب اللبنانية الحاكمة غير الشعبية دون التوصل إلى حل وسط بين تلك النخب وجماعات المعارضة، ما أدى إلى مواجهات محلية عنيفة. كما أن المساعدة الأمريكية لتعزيز الجيش اللبناني ليتمكن من السيطرة على البلاد، ويفرض حكم النخب الموالية للغرب، ويكون بمثابة حصن ضد الميليشيات المحلية والإقليمية على حد سواء، لم تؤت أكلها، وعجز الجيش اللبناني المدعوم من الولايات المتحدة عن القيام بهذا الدور.