يتغيّا هذا البحث إبراز أحد مظاهر الحضارة الإسلاميّة المشرقة، وهو: التسامح الدينيّ، وأثر قيمه الاجتماعيّة في حياة أبي إسحاق الصابي وأدبه (ت384هـ)، والأديب أبو إسحاق الصابي أحد كبار الكتّاب والشعراء العبّاسيّين، الذين عاشوا في كنف الإسلام، وتنعّموا بتسامحه وعدله، ففاضت أقلامهم في التعبير عن معاني التسامح، والمحبّة، والإخاء الإنسانيّ.
   لقد كان أبو إسحاق الصابي على دين الصابئة، مشدِّداً في دينه، يعبد الكواكب والنجوم، ولم يمنعه ذلك أن يكون على رأس ديوان الرسائل! وكان يعاشر المسلمين أحسن عِشرة، ويشاركهم صيام شهر رمضان، ويحفظ القرآن حفظاً يدور على طرف لسانه، وسنّ قلمه! ولا شكّ في أنّ حسن عِشرة المسلمين له، هي التي دفعته إلى المعاملة بالمثل.
   وخلص هذا البحث إلى أنّ التسامح الدينيّ عنوان للاعتراف بالآخر، وعنوان لتحضّر الإنسان، يقاس بمدى احترامه لأخيه الإنسان، وأنّ البيئة الإسلاميّة، التي عاش فيها أبو إسحاق الصابي، وأذنت له بمثل هذا الخوض في معتقداتها وأسسها المقدّسة، لبيئة جِدّ متسامحة! وبيئة جِدّ متحضّرة!
وللإجابة عن هذه الأسئلة، اقتضى البحث اتباع المنهج الاستقرائي التحليلي، بتتبع شواهد ظاهرة التسامح الديني، وتحليل دلالاتها، فيما وصل إلينا من شعر أبي إسحاق الصابي، ونصوص رسائله، وما روي عنه من أخبار وآثار في المصادر الأدبية خاصّة، والمصادر التاريخية عامة. كما سيتبع البحث المنهج المقارن، في نقد الرسائل الشعرية والنثرية، المتبادلة بين أبي إسحاق الصابي والشريف الرضي.