إن التصدي لظاهرة الازدواج اللغوي يستوجب إعادة قراءة المشهد من جذوره، وتقصِّـي ميلاد الظاهرة وتأصيلها، في عمق تاريخ العربية قبيل الإسلام وبعده، وما نتج عنها من حصانة للفصحى من جهة، وإثراء وتنوع لهجي من جهة أخرى منح أبناء هذه اللغة مساحة حقيقية في تداولية الاستعمال في كل مراحل تطورها.    وفي ضوء مركزية الاستعمال اللغوي في الدرس التداولي، تتجلى أهمية دراسة ظاهرة الازدواج اللغوي من خلال المنحى الوظيفي التواصلي، ورصد العلاقة بين الازدواج اللغوي وتداولية الاستعمال في العربية يكشف عن جذور الظاهرة، وعمقها التاريخي، فتبدأ الرحلة من قرن ونصف قبل الإسلام، حيث "العربية المشتركة"، ونظائرها من لهجات القبائل، والتعقب الزمني لأطوارها يكشف الفصحى واللهجات، وما بينها من مستويات الاستعمال المتداخلة، التي شكَّلت مظاهر الازدواج اللغوي قديما، لذا استهدف هذا البحث تأصيل الظاهرة، وتتبع ما يكتنفها من تجذُّر، واقتفاء أثر انعكاساتها على العربية في كل عصورها؛ حيث انتهى البحث إلى تحديد خمس مراحل كبرى رئيسة عبرها الازدواج اللغوي في العربية خلال رحلته الزمنية منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث، كما أثبت البحث دور الازدواج اللغوي في الحفاظ على ثبات العربية واستقرارها في أحد طرفيه، مقابل دينامية أنماط الاستعمال التي جنحت نحو التغير والتطور على الطرف الآخر.